. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
بَعْرِ الْغَنَمِ أَوْ الْإِبِلِ، فَتَرْمِي بِهَا أَمَامَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إحْلَالًا لَهَا " وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْبَابِ أَنَّ رَمْيَهَا بِالْبَعْرَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُرُورِ الْكَلْبِ سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُ انْتِظَارِ مُرُورِهِ أَمْ قَصُرَ، وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ
وَقِيلَ: تَرْمِي بِهَا مَنْ عَرَضَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ غَيْرِهِ تُرِي مَنْ حَضَرَهَا أَنَّ مَقَامَهَا حَوْلًا أَهْوَنُ عَلَيْهَا مِنْ بَعْرَةٍ تَرْمِي بِهَا كَلْبًا أَوْ غَيْرَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِرَمْيِ الْبَعْرَةِ، فَقِيلَ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا رَمَتْ الْعِدَّةَ رَمْيَ الْبَعْرَةِ. وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي فَعَلَتْهُ مِنْ التَّرَبُّصِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ كَانَ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَعْرَةِ الَّتِي رَمَتْهَا اسْتِحْقَارًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحَقِّ زَوْجِهَا. وَقِيلَ بَلْ تَرْمِيهَا عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ لِعَدَمِ عَوْدِهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تُكْمَلُ خِلْقَةُ الْوَلَدِ وَيُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَ مُضِيِّ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ، فَجُبِرَ الْكَسْرُ إلَى الْعَقْدِ عَلَى طَرِيقٍ الِاحْتِيَاطِ، وَذَكَرَ الْعَشْرَ مُؤَنَّثًا لِإِرَادَةِ اللَّيَالِي، وَالْمُرَادُ مَعَ أَيَّامِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ تَنْقَضِي بِمُضِيِّ اللَّيَالِي الْعَشْرِ بَعْدَ الْأَشْهُرِ، وَتَحِلُّ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ
وَاسْتُثْنِيَتْ الْحَامِلُ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُ حَالِهَا. وَيُعَارِضُ أَحَادِيثَ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: فَقَالَ لَا تُحِدِّي بَعْدَ يَوْمِكِ هَذَا» وَسَيَأْتِي. قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ زَوْجَ جَعْفَرٍ بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ وَالِدَةُ أَوْلَادِهِ، قَالَ: بَلْ ظَاهِرُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِحْدَادَ لَا يَجُوزُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ. وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ الْإِحْدَادَ كَانَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ فِي بَعْضِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ ثُمَّ وَقَعَ الْأَمْرُ بِالْإِحْدَادِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَاسْتَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِحْدَادِ الْمُقَيَّدِ بِالثَّلَاثِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِحْدَادِ الْمَعْرُوفِ فَعَلَتْهُ أَسْمَاءُ مُبَالَغَةً فِي حُزْنِهَا عَلَى جَعْفَرٍ، فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الثَّلَاثِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبَانَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ اسْتِشْهَادِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إحْدَادٌ. وَقَدْ أَعَلَّ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ بِالِانْقِطَاعِ فَقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ مِنْ أَسْمَاءَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى حَدِيثِ أَسْمَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " لَا إحْدَادَ فَوْقَ ثَلَاثٍ " قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مُنْكَرٌ، وَالْمَعْرُوفُ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَأْيِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمُعْتَدَّةِ فَلَا نَكَارَةَ فِيهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ) اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute