للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَقَعَ بَعْدَ النَّفْيِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْوُجُوبَ اُسْتُفِيدَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ كَالْإِجْمَاعِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْإِحْدَادَ لَا يَجِبُ كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْإِحْدَادَ

وَقِيلَ: إنَّ السِّيَاقَ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ: قَوْلُهُ: (لِامْرَأَةٍ) تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: (لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ فَأَوْجَبُوهُ عَلَيْهَا كَالْعِدَّةِ. وَأَجَابُوا عَنْ التَّقَيُّدِ بِالْمَرْأَةِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. قَوْلُهُ: تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الذِّمِّيَّةِ. وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهِ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِلشَّرْعِ. وَرَجَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ. وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (تُحِدُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَيَجُوزُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَصْلُ الْإِحْدَادِ: الْمَنْعُ، وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْبَوَّابِ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ الدَّاخِلَ، وَتَسْمِيَةُ الْعُقُوبَةِ حَدًّا لِأَنَّهَا تَرْدَعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ

قَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: مَعْنَى الْإِحْدَادِ: مَنْعُ الْمُعْتَدَّةِ نَفْسَهَا لِلزِّينَةِ وَبَدَنَهَا لِلطِّيبِ وَمَنْعُ الْخُطَّابِ خِطْبَتَهَا، وَحَكَى الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ يُرْوَى بِالْجِيمِ وَالْحَاءِ وَالْحَاءُ أَشْهَرُ. وَهُوَ بِالْجِيمِ مَأْخُوذٌ مِنْ جَدَدْت الشَّيْءَ إذَا قَطَعْتُهُ، فَكَأَنَّ الْمَرْأَةَ انْقَطَعَتْ عَنْ الزِّينَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَيِّتٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وَفَاتِهِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ. فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِجْمَاعٌ وَأَمَّا الْبَائِنَةُ فَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَاهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْمَنْصُورِ بِاَللَّهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ. وَالْحَقُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ عَمَلًا بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِيمَا عَدَاهُ، فَمَنْ ادَّعَى وُجُوبَ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ

وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَمَا دُونَهَا، وَتَحْرِيمِهِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ أُبِيحَ لِأَجْلِ حَظِّ النَّفْسِ وَمُرَاعَاتِهَا وَغَلَبَةِ الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى أَبِيهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَصِّصًا لِلْأَبِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. وَأَيْضًا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَيْسَ مِنْ التَّابِعِينَ حَتَّى يَدْخُلَ حَدِيثُهُ فِي الْمُرْسَلِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا دَاوُد لَا يَخُصُّ الْمُرْسَلَ بِرِوَايَةِ التَّابِعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ آثَارَ الْحُزْنِ بَاقِيَةٌ عِنْدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>