بَابُ مَا تَجْتَنِبُ الْحَادَّةُ وَمَا رُخِّصَ لَهَا فِيهِ
٢٩٣٩ - (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلُ، وَلَا نَطَّيَّبُ، وَلَا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ» . أَخْرَجَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ: «لَا تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ) .
ــ
[نيل الأوطار]
لَكِنَّهَا لَمْ يَسَعْهَا إلَّا امْتِثَالُ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ: ضَمُّ النُّونِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ هِيَ الْمُشْتَكِيَةُ، وَفَتْحُهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي اشْتَكَتْ ضَمِيرٌ لِلْفَاعِلِ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ " عَيْنَيْهَا " وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ
قَوْلُهُ: (أَفَنَكْحُلُهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ. قَوْلُهُ: (حِفْشًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، فَسَّرَهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَنَّهُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ. قَوْلُهُ: (فَتَقْتَضُّ بِهِ) بِفَاءٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ قَافٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ، فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِأَنَّهَا تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا، وَفِي النِّهَايَةِ فَرْجَهَا، وَأَصْلُ الْفَضِّ: الْكَسْرِ: أَيْ تَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ بِمَا فَعَلَتْ بِالدَّابَّةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ " تَقْبَصُ " بَعْدَ الْقَافِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ صَادٌ مُهْمَلَةٌ، وَالْقَبْصُ: الْأَخْذُ بِأَطْرَافِ الْأَنَامِلِ. قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِسْرَاعِ: أَيْ تَذْهَبُ بِسُرْعَةٍ إلَى مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا لِكَثْرَةِ جَفَائِهَا بِقُبْحِ مَنْظَرِهَا أَوْ لِشِدَّةِ شَوْقِهَا إلَى الْأَزْوَاجِ لِبُعْدِ عَهْدِهَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنْ الِاقْتِضَاضِ فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ لَا تَمَسُّ مَاءً وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا وَلَا تُزِيلُ شَعْرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثُمَّ تَقْتَضُّ: أَيْ تَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ مَا تَقْتَضُّ بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ تَفْسِيرَ مَالِكٍ لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجِلْدَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِلْدُ الْقُبُلِ. وَالِافْتِضَاضُ بِالْفَاءِ: الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ حَتَّى تَصِيرَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً كَالْفِضَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute