للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

مُخَالِفًا فِي نَسْخِ نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَكِسْوَتِهَا سَنَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ. ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ السُّكْنَى حُكْمَهُمَا لِكَوْنِهَا مَذْكُورَةً مَعَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ لَهَا السُّكْنَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعِدَدِ: الِاخْتِيَارُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ يُسَكِّنُوهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ فُرَيْعَةَ " اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ " وَقَدْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا بَيْتَ لِزَوْجِهَا، يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ سُكْنَاهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إذَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَأُجِيبَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ نَسْخَ بَعْضِ الْمُدَّةِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ نَفَقَةِ الْمَنْسُوخِ وَكِسْوَتِهِ وَسُكْنَاهُ دُونَ مَا لَمْ يُنْسَخْ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ

وَأُجِيبَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ بِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّهَا قَالَتْ: " وَلَيْسَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَلَمْ يَدَعْ نَفَقَةً وَلَا مَالًا " فَأَمَرَهَا بِالْوُقُوفِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ زَوْجُهَا وَمِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ الْوُقُوفَ فِيهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَضِيَّةَ عَيْنٍ مَوْقُوفَةٍ. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمِ وَالنَّاصِرِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ وَالْوُجُوبُ لِلْحَامِلِ لَا الْحَائِلِ، عَنْ مَوْلَانَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَشُرَيْحٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَحُكِيَ أَيْضًا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ السُّكْنَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَمَالِكٍ وَالْإِمَامِ يَحْيَى وَالشَّافِعِيِّ؛ وَعَدَمِهِ عَنْ مَوْلَانَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «إنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى» وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا دَلَّا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لُزُومُهَا لِبَيْتِهَا، وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ لَهَا

وَحَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى هَذَا فَهُوَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ لَيْسَتَا مِنْ تَكْلِيفِ الزَّوْجِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ هُوَ إيجَابُ النَّفَقَةِ لِذَاتِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ، وَفِي الْبَقَرَةِ إيجَابُهَا لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عُمُومِهِنَّ الْبَائِنَةُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؛ لِذِكْرِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهَا كَمَا سَيَأْتِي. وَخَرَجَتْ أَيْضًا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِآيَةِ الْأَحْزَابِ فَخَرَجَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا سُكْنَى لَهَا، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَقَوْلَهُ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] فِي الرَّجْعِيَّاتِ لِظَاهِرِ السِّيَاقِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَوْ السُّكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، كَمَا عَلِمْت أَنَّ السُّنَّةَ قَاضِيَةٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِمَا مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِمَا مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>