. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ. وَرُدَّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ. فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِمَّا لَا دَخْلَ لَهُ فِي النِّزَاعِ فَلَا يُقْدَحُ بِهِ فِي الْقِيَاسِ. وَاسْتَدَلَّ فِي الْبَحْرِ لِلْجُمْهُورِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَا يَقْرَبْهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ " قَالَ: وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ، وَقَدْ عَرَّفْنَاك غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ السُّكُوتَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْكَارِ فِيهَا عَلَى الْمُخَالِفِ
وَالْأَوْلَى التَّعْوِيلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْمُوجِبِينَ عَلَى عُمُومِ حَدِيثِ رُوَيْفِعٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُمَا شَامِلٌ لِلْمَسْبِيَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَة وَنَحْوِهِمَا، وَالتَّصْرِيحُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: " فَلَا يَنْكِحَنَّ ثَيِّبًا مِنْ السَّبَايَا " لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْيِيدِ لِلْمُطْلَقِ أَوْ التَّخْصِيصِ لِلْعَامِّ، بَلْ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: " مِنْ السَّبَايَا " مَفْهُومُ صِفَةٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّنْصِيصِ الْمَذْكُورِ إلَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» يَشْمَلُ الْمُسْتَبْرَأَةَ وَنَحْوَهَا، وَكَوْنُ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَيْهِنَّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَامًّا لِكُلِّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ خُلُوَّ رَحِمِهَا، لَا مَنْ كَانَ رَحِمُهَا خَالِيًا بِيَقِينٍ كَالصَّغِيرَةِ وَالْبِكْرِ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ رُوَيْفِعٍ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى وَغَيْرِهَا فَيَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الَّتِي كَانَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا تَزْنِي إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ فَبِحَيْضَةٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ الرَّجُلِ مِنْ الْأَنْصَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
قَوْلُهُ: (فَاصْطَفَى عَلِيٌّ مِنْهُ سَبِيَّةً،. . . إلَخْ) يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّ السَّبِيَّةَ الَّتِي أَصَابَهَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَانَ قَدْ مَضَى عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ السَّبْيِ مِقْدَارُ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَقْتِ السَّبْيِ، وَالْمَصِيرُ إلَى مِثْلِ هَذَا مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمَسْبِيَّةِ الْإِسْلَامُ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ وَقْتُهَا، وَلَا سِيَّمَا وَفِي الْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٌ وَغَيْرِهِ مَنْ هُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ وَتَجْوِيزُ حُصُولِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ السَّبَايَا وَهُمْ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ بَعِيدٌ جِدًّا، فَإِنَّ إسْلَامَ مِثْلِ عَدَدِ الْمَسْبِيَّاتِ فِي أَوْطَاسٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ يُصِحُّ تَجْوِيزَهُ عَاقِلٌ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْمُؤَيِّدَاتِ لِبَقَاءِ الْمَسْبِيَّاتِ عَلَى دِينِهِنَّ «مَا ثَبَتَ مِنْ رَدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُنَّ بَعْدَ أَنْ جَاءَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ هَوَازِنَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَا أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَرَدَّ إلَيْهِمْ السَّبْيَ فَقَطْ»
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمَسْبِيَّاتِ الْكَافِرَاتِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ الْمَشْرُوعِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ طَاوُسٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute