بَابُ مَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَالتَّشْدِيدُ فِي قَتْلِ الذِّمِّيّ وَمَا جَاءَ فِي الْحُرِّ بِالْعَبْدِ
٣٠٠٠ - (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنْ الْوَحْيِ مَا لَيْسَ
ــ
[نيل الأوطار]
الْبَابِ. وَأَيْضًا تَقْدِيرُ الْآيَةِ فَمَنْ اقْتَصَّ فَالْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَالدِّيَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لَمْ تَسْقُطْ الدِّيَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ تَسْلِيمُهَا.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ فِي قَوْلٍ لَهُ أَيْضًا أَنَّهَا تَتْبَعُ الْقِصَاصَ فِي السُّقُوطِ، وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ السُّقُوطِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالسُّقُوطِ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْإِحْسَانَ التَّفَضُّلُ لَا الْوُجُوبُ، كَمَا تَقْتَضِيهِ الْعِبَارَةُ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَقْتَضِي الْعِقَابَ عَلَى التَّرْكِ، وَالْمَعْرُوفُ وَالْإِحْسَانُ لَا يَقْتَضِيَانِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٧٨] وَرُدَّ بِأَنَّ التَّخْفِيفَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ هُوَ الْقِصَاصُ فَقَطْ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَوْسَعُ وَأَخَفُّ مِنْ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ.
وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ الدِّيَةِ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ الْمَذْكُورَانِ. وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: «مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا أُسْلِمَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَفْظُهُ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَلْيَكُنْ اتِّبَاعٌ أَوْ فَالْأَمْرُ اتِّبَاعٌ وَهَذِهِ تَوْصِيَةٌ لِلْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَالْعَافِي جَمِيعًا، يَعْنِي فَلْيَتْبَعْ الْوَلِيُّ الْقَاتِلَ بِالْمَعْرُوفِ بِأَنْ لَا يُعَنِّفَ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يُطَالِبَهُ إلَّا مُطَالَبَةً جَمِيلَةً وَلْيُؤَدِّ إلَيْهِ الْقَاتِلُ بَدَلَ دَمِ الْمَقْتُولِ أَدَاءً بِإِحْسَانٍ بِأَنْ لَا يَمْطُلَهُ وَلَا يَبْخَسَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْعَفْوِ وَالدِّيَةُ {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} لِأَنَّ أَهْلَ التَّوْرَاةِ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ أَلْبَتَّةَ وَحُرِّمَ الْعَفْوُ وَأَخْذُ الدِّيَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ الْعَفْوُ وَحُرِّمَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ، وَخُيِّرَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ الثَّلَاثِ: الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْعَفْوُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَتَيْسِيرًا انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ " فَإِنْ أَرَادَ رَابِعَةً فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ " أَيْ إذَا أَرَادَ زِيَادَةً عَلَى الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ أَوْ الْعَفْوِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٨] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute