للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

قَبْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ التَّغْرِيبِ وَوُجُوبِهِ عَلَى مَنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَقَدْ ادَّعَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَفْيِ الزَّانِي الْبِكْرِ إلَّا عَنْ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: «أَقْسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: إنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ» وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى

وَخَطَبَ عُمَرُ بِذَلِكَ عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالصَّادِقُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَأَحَدُ قَوْلَيْ النَّاصِرِ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاسِمِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَحَمَّادٍ أَنَّ التَّغْرِيبَ وَالْحَبْسَ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي آيَةِ الْجَلْدِ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» الْحَدِيثُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْ الْغَرَائِبِ، فَإِنَّ عَدَم ذِكْرِ التَّغْرِيبِ فِي آيَةِ الْجَلْدِ لَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْعَدَمِ. وَقَدْ ذُكِرَ التَّغْرِيبُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْضُهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ وَبَعْضُهَا لَمْ يُذْكَرْ وَلَيْسَ بَيْن هَذَا الذِّكْرِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ فِي الْآيَةِ مُنَافَاةٌ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَوَارِجُ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ فَقَالُوا: لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ

وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا اسْتِدْلَالُهُ بِعَدَمِ ذِكْرِ التَّغْرِيبِ فِي قَوْلِهِ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ» . وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَادِيثَ التَّغْرِيبِ قَدْ جَاوَزَتْ حَدَّ الشُّهْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ السُّنَّةِ زَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَعْذِرَةٌ عَنْهَا بِذَلِكَ وَقَدْ عَمِلُوا بِمَا هُوَ دُونَهَا بِمَرَاحِلَ كَحَدِيثِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ، وَحَدِيثِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِمَّا يَخْرُجُ بِهَا الْمَزِيدُ عَلَيْهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُجْزِئًا حَتَّى تَتَّجِهَ دَعْوَى النَّسْخِ

وَقَدْ أَجَابَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَحَادِيثِ التَّغْرِيبِ بِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَا حَدٌّ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ بِمُوجِبِهِ، فَإِنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا عُقُوبَاتٌ وَالنِّزَاعُ فِي ثُبُوتِهِ لَا فِي مُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ لَيْثٍ أَقَرَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَكَانَ بِكْرًا فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً وَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ إذْ كَذَّبَتْهُ فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ فَجَلَدَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً» قَالُوا: وَلَوْ كَانَ التَّغْرِيبُ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُجَابُ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ التَّغْرِيبِ، غَايَةُ الْأَمْرِ احْتِمَالُ تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ عَلَى أَحَادِيثِ التَّغْرِيبِ، وَالْمُتَوَجِّهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَصِيرُ إلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي تَقَعُ مُنَافِيَةً لِلْمَزِيدِ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لِلصَّرْفِ عَنْ الْوُجُوبِ إلَّا عَلَى فَرْضِ تَأَخُّرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي حَدِيثِ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ» الْمُتَقَدِّمِ

وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّغْرِيبِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْ الْأَمَةِ سَقَطَ عَنْ الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>