للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

قَالَ: وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَتْ. قَالَ: وَإِذَا انْتَفَى عَنْ النِّسَاء انْتَفَى عَنْ الرِّجَالِ. قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إذَا خُصَّ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا تَأَخُّرَ حَدِيثِ الْأَمَةِ عَنْ أَحَادِيثِ التَّغْرِيبِ كَانَ مُعْظَمُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّغْرِيبَ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، أَوْ يُقَال: إنَّ حَدِيثَ الْأَمَةِ الْمَذْكُورَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ أَحَادِيثِ التَّغْرِيبِ مُطْلَقًا عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ أَنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ قَارَنَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْخَاصِّ لَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الثُّبُوتِ مُطْلَقًا فَإِنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَا يُفِيدُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ التَّغْرِيبِ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ

وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَغْرِيبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَظَاهِرُهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُد وَالطَّبَرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يُنَصَّفُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ قِيَاسًا عَلَى الْحَدِّ وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ.

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُنَصَّفُ فِيهِمَا. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ لَا تَغْرِيبَ لِلرِّقِّ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ» الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي بَابِ السَّيِّدِ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقِهِ.

وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ أَنَّ التَّغْرِيبَ هُوَ نَفْيُ الزَّانِي عَنْ مَحَلِّهِ سَنَةً، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَالتَّغْرِيبُ يَصْدُق بِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُرْبَةِ شَرْعًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الزَّانِي عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُرْبَةِ فِيهِ، قِيلَ وَأَقَلُّهُ مَسَافَةُ قَصْرٍ. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالصَّادِقِ وَالنَّاصِرِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ التَّغْرِيبَ هُوَ حَبْسُ سَنَةٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِوَضْعِ التَّغْرِيبِ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ ضَوْءِ النَّهَارِ بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَضْعِ لَا تُنَافِي التَّجَوُّزَ، وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي فَقْدِ الْأَنِيسِ، قَالَ: وَمِنْهُ: «بَدَأَ الدِّينُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا» وَجَعَلَ قَرِينَةَ الْمَجَازِ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ. وَيُجَابُ عَنْ هَذَا التَّعَقُّبِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ حَمْلُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَا هِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذَلِكَ إلَى الْمَجَازِ إلَّا لِمُلْجِئٍ وَلَا مُلْجِئَ هُنَا فَإِنَّ التَّغْرِيبَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَحَادِيثِ شَرْعًا هُوَ إخْرَاجُ الزَّانِي عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ غَرِيبًا، وَالْمَحْبُوسُ فِي وَطَنِهِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِ الشَّارِعِ فَقَدْ غَرَّبَ عُمَرُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشَّامِ، وَغَرَّبَ عُثْمَانُ إلَى مِصْرَ، وَغَرَّبَ ابْنُ عُمَرَ أَمَتَهُ إلَى فَدَكَ

وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَصْلُحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>