للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ اعْتِبَارِ تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا أَرْبَعًا

ــ

[نيل الأوطار]

أَجْنَأُ، وَالْمُجْنَأُ بِالضَّمِّ: التُّرْسُ لَا حَدِيدَ فِيهِ انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ هَذِهِ أَصَحُّهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ

قَوْلُهُ: (رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ) هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ. قَوْلُهُ: (وَامْرَأَةً هِيَ الْجُهَنِيَّةُ) وَيُقَالُ لَهَا: الْغَامِدِيَّةُ. قَوْلُهُ: (مُحَمَّمٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ مَفْتُوحَةً اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ مُسَوَّدِ الْوَجْهِ، وَالتَّحْمِيمُ: التَّسْوِيدِ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَا يُقَامُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ الْحَرْبِيُّ، وَأَمَّا الرَّجْمُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْقَاسِمِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ مِنْ الْكُفَّارِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى إلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ. قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: وَالذِّمِّيُّ كَالْحَرْبِيِّ فِي الْخِلَافِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ

وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ يُحَدُّ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ. وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْإِحْصَانِ الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ هُوَ الْإِسْلَامُ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ لَا يَشْتَرِطَانِ ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ رَبِيعَةُ شَيْخُ مَالِكٍ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ كَمَا يُحَدُّ الْمُسْلِمُ. وَالْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ يُلْحَقَانِ بِالذِّمِّيِّ بِجَامِعِ الْكُفْرِ. وَقَدْ أَجَابَ مَنْ اشْتَرَطَ الْإِسْلَامَ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمْضَى حُكْمَ التَّوْرَاةِ عَلَى أَهْلِهَا وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَدِينَةِ

وَكَانَ إذْ ذَاكَ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ حُكْمِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ مِنْ التَّعَسُّفِ، وَنَصْبُ مِثْلِهِ فِي مُقَابَلَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ الْغَرَائِبِ، وَكَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرَعَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَقَرَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُوَافِقُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْ ذَلِكَ فِي شَرْعِنَا مَا يُبْطِلُهُ، وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَمَنْهِيٌّ عَنْ اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ. وَقَدْ أَتَوْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْحُكْمِ وَلَمْ يَأْتُوهُ لِيُعَرِّفَهُمْ شَرْعَهُمْ فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِشَرْعِهِ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي شَرْعِهِمْ كَثُبُوتِهِ فِي شَرْعِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِشَرْعِهِمْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِشَرْعِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْهُ بِمَا هُوَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِالتَّوْرَاةِ. كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلْزَامَهُمْ الْحُجَّةَ

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ اللَّهَ شَرَعَ هَذَا الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا فِي الْخِطَابَاتِ الْخَاصَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا يَسْتَوِي فِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>