للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣١٠١ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ أُحْصِنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ فَرَجَمْنَاهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِحْصَانَ

ــ

[نيل الأوطار]

أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ بِمَفْهُومِهَا عَلَى أَنَّ نِسَاءَ الْكُفَّارِ خَارِجَاتٌ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَهَذَا الْمَفْهُومُ قَدْ عَارَضَهُ مَنْطُوقُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْيَهُودِيَّةَ مَعَ الْيَهُودِيِّ» . وَمِنْ غَرَائِبِ التَّعَصُّبَاتِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا رَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ لِأَنَّ الْيَهُودَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ فَتَحَاكَمُوا إلَيْهِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ فَلَأَنْ يُقِيمَهُ عَلَى مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ بِالْأَوْلَى، كَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ مَجِيءَ الْيَهُودِ سَائِلِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوجِبُ لَهُ عَهْدًا كَمَا لَوْ دَخَلُوا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُمْ فِي أَمَانٍ إلَى أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ بِرَجْمِهِمَا مِنْ دُونِ اسْتِفْصَالٍ عَنْ الْإِحْصَانِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِشَرْعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَمُ فِي شَرْعِهِ إلَّا الْمُحْصَنُ وَتُعُقِّبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي طَرِيقٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ «أَنَّ أَحْبَارَ الْيَهُودِ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِامْرَأَةٍ بَعْدَ إحْصَانِهِمَا» .

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالَ: زَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَقَدْ أُحْصِنَا» وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةُ لَمْ يُسَمَّ.

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ أُحْصِنَا» .

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الزُّبَيْدِيِّ «أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا وَقَدْ أُحْصِنَا» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ الْإِحْصَانَ بِإِخْبَارِهِمْ لَهُ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا إلَيْهِ سَائِلِينَ يَطْلُبُونَ رُخْصَةً فَيَبْعُدُ أَنْ يَكْتُمُوا عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ الْوَقْفَ. وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْإِحْصَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِحْصَانِ الْقَذْفِ. وَلِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَوَائِدُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>