للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

التَّثْرِيبُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ السَّيِّدِ عَلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى التَّثْرِيبِ دُونَ الْحَدِّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يُفْهِمُهُ السِّيَاقُ.

وَفِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالتَّعْنِيفِ وَاللَّوْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّ أَحَدًا مِمَّنْ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، بَلْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ زَنَتْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْأَمَةِ الْحَدُّ إلَّا إذَا زَنَتْ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهَا الزِّنَا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ " ثُمَّ " بَعْدَ ذِكْرِ الْجَلْدِ.

قَوْلُهُ: (فَلْيَبِعْهَا) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَا تُحَدُّ إذَا زَنَتْ بَعْدَ أَنْ جَلَدَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مُصَرِّحَةٌ بِالْجَلْدِ فِي الثَّالِثَةِ، وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد أَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي الرَّابِعَةِ الْحَدَّ وَالْبَيْعَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَبِهَا يُرَدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الزَّجْرِ عَدَلَ إلَى الْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ دُونَ الْجَلْدِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " فَلْيَبِعْهَا " وَكَذَا وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ مَرْدُودٌ، وَأَمَّا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَجْلِدُهَا قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ يَبِيعُهَا، وَصَرَّحَ بِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْجَلْدِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَسْكُت - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَلَفَ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ وَاجِبٌ

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ مَنْسُوخٌ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ نَاسِخًا فَإِنْ كَانَ هُوَ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ فَيُجَابُ عَنْهُ أَوَّلًا بِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فِي مُقَابِلِ الْمَبِيعِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ هَهُنَا هُوَ الْبَيْعُ لَا الْإِضَاعَةُ، وَذِكْرُ الْحَبْلِ مِنْ الشَّعَرِ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ إرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ لَمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ إضَاعَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الشَّيْءِ الْكَثِيرِ بِالْحَقِيرِ إضَاعَةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ ذَهَبَ دَاوُد وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مُخَالَطَةِ الْفَسَقَةِ وَمُفَارَقَتَهُمْ وَاجِبَانِ، وَبَيْعُ الْحَقِيرِ بِالْكَثِيرِ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِهِ بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَمَلَ الْفُقَهَاءُ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ عَلَى الْحَضِّ عَلَى مُبَاعَدَةِ مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَا لِئَلَّا يُظَنَّ بِالسَّيِّدِ الرِّضَا بِذَلِكَ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَسِيلَةِ إلَى تَكْثِيرِ أَوْلَادِ الزِّنَا. قَالَ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي الْأُمَّةِ فَلَا يُشْتَغَلُ بِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ كَانَ هُوَ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ وَإِلَّا كَانَ الْحَقُّ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ إلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ إلَى الْإِمَامِ إنْ كَانَ ثَمَّ إمَامٌ وَإِلَّا كَانَ إلَى سَيِّدِهِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْأَمَةَ إنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كَانَ أَمْرُ حَدِّهَا إلَى الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَأَمْرُ حَدِّهَا إلَى السَّيِّدِ، وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ أَيْضًا الْقَطْعَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>