للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي كَمْ يُقْطَعُ السَّارِقُ؟

ــ

[نيل الأوطار]

السَّرِقَةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ لَهُمْ آخَرَ يُسْتَثْنَى حَدُّ الشُّرْبِ.

وَرُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ السَّيِّدُ إلَّا حَدَّ الزِّنَا وَذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى الْمَمَالِيكِ إلَّا الْإِمَامُ مُطْلَقًا.

وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يَحُدُّ الْمَمْلُوكَ سَيِّدُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ صَالِحًا لَإِقَامَةِ الْحَدِّ أَمْ لَا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يُقِيمُهُ السَّيِّدُ إلَّا إذَا كَانَ كَافِرًا. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْت بَقَايَا الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَةَ مِنْ وَلَائِدِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ إذَا زَنَتْ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى أَقْوَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يُقِيمُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ دُونَ السُّلْطَانِ، إلَّا أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى.

وَأَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا قَطَعَتْ يَدَ عَبْدٍ لَهَا " وَأَخْرَجَ أَيْضًا " أَنَّ حَفْصَةَ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا ".

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالشَّافِعِيُّ " أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّتْ جَارِيَةً لَهَا زَنَتْ " وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا " أَنَّهَا جَلَدَتْ وَلِيدَةً لَهَا خَمْسِينَ ". وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا إلَّا الْإِمَامُ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ: الزَّكَاةُ وَالْحُدُودُ وَالْجُمُعَةُ وَالْفَيْءُ إلَى السُّلْطَانِ ". قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّهُ خَالَفَهُ اثْنَا عَشَرَ صَحَابِيًّا. وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ يُجْلَدَانِ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَمْلُوكِ إذَا كَانَ مُحْصَنًا هَلْ يُرْجَمُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى الثَّانِي، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ إلَى الْأَوَّلِ. وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يُتَنَصَّفُ، وَاحْتَجَّ الْآخِرُونَ بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ إلَى أَنَّهُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ وَيُجْلَدُ كَالْحُرِّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَفِي الْبَقِيَّةِ كَالْعَبْدِ، وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ كَالْعَبْدِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْسِيطِ فِي الْمُكَاتَبِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>