للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ مَا وَرَدَ فِي قَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ وَبَيَانِ نَسْخِهِ

ــ

[نيل الأوطار]

فِي الْخَمْرِ وَاسْتَخَفُّوا الْعُقُوبَةَ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ: مَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ ". وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " شَرِبَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْخَمْرَ وَتَأَوَّلُوا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ، فَاسْتَشَارَ فِيهِمْ، فَقُلْت: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا ضَرَبْتَهُمْ ثَمَانِينَ، وَإِلَّا ضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَلُّوا مَا حُرِّمَ، فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابُوا، فَضَرَبَهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ ".

وَأَثَرُ ابْنِ شِهَابٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ بِحَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامُ وَلَا نَائِبُهُ الْأَرْشَ وَلَا الْقِصَاصَ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيمَنْ مَاتَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حَدِّ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ.

وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إنَّهَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَا بِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَرْفَعْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ أَخْرَجَهَا مَخْرَجَ الِاجْتِهَادِ. وَكَذَلِكَ يُجَابُ عَنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ " أَنَّ عَلِيًّا وَعُمَرَ قَالَا: مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ، الْحَقُّ قَتَلَهُ " وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَاحْتَجَّا بِأَنَّ اجْتِهَادَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَا يَجُوزُ بِهِ إهْدَارُ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مُجْمَعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُهْدَرُ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْهَدَرَ مَا ذَهَبَ بِلَا مُقَابِلٍ لَهُ، وَدَمُ الْمَحْدُودِ مُقَابِلٌ لِلذَّنْبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلذَّنْبِ عُقُوبَةٌ لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ.

وَتُعُقِّبَ هَذَا الرَّدُّ بِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ بِالذَّنْبِ إلَى مَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلَا ضَمَانَ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ بِتَعْزِيرٍ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْإِمَامُ، وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ كَالْحَدِّ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيمَنْ مَاتَ بِتَعْزِيرٍ لَا عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْإِمَامُ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَسُنَّهُ) قَدْ قَدَّمْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رِوَايَتِهِ السَّابِقَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ أَرْبَعِينَ» .

قَوْلُهُ: (فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ) هَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ بِجِلْدِهِ أَرْبَعِينَ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ جَلَدَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ جُمْلَةَ الْجَلْدِ ثَمَانُونَ. وَقَدْ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ بَعِيدٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقِصَّتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ فِي حَضْرَةِ عَلِيٍّ.

قَوْلُهُ: (نَشْوَانَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الشِّينِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَجُلٌ نَشْوَانُ وَنَشْيَانُ: سَكْرَانُ بَيِّنُ النَّشْوَةِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (فِي دُبَّاءَةٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاحِدَةُ الدُّبَّاءِ، وَهِيَ الْآنِيَةُ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (نُهِزَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا زَايٌ: وَهُوَ الدَّفْعُ بِالْيَدِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>