٣١٧٤ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
٣١٧٥ - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إذَا شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إذَا شَرِبُوا الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُمْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: نَهَزَهُ كَمَنَعَهُ: ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ. قَوْلُهُ: «وَنَهَى عَنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» يَعْنِي أَنْ يُخْلَطَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَجَعْلُهُمَا نَبِيذًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ) هِيَ الْخَمْرَةُ اللَّذِيذَةُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (إذَا شَرِبَ سَكِرَ. . . إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْأَثَرِ لَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ كُلَّ شَارِبِ خَمْرٍ يَهْذِي بِمَا هُوَ افْتِرَاءٌ، وَأَنَّ كُلَّ مُفْتَرٍ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَالْكُلُّ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْهَذَيَانَ إذَا كَانَ مُلَازِمًا لِلسُّكْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِافْتِرَاءُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَهْذُو بِهِ الْإِنْسَانُ، وَالْجَلْدُ إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ افْتَرَى افْتِرَاءً خَاصًّا وَهُوَ الْقَذْفُ لَا كُلَّ مُفْتَرٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فَكَيْفَ صَحَّ مِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْرَاجِ لِلْكَلَامِ عَلَى الْغَالِبِ فَذَلِكَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَنْوَاعَ الْهَذَيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِافْتِرَاءِ، وَأَنْوَاعُ الِافْتِرَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَذْفِ هِيَ الْغَالِبَةُ بِلَا رَيْبٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي أَنَّ أَصْلَ إذَا الْجَزْمُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ، وَمِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ النَّادِرِ مِمَّا يَبْعُدُ الْجَزْمُ بِوُقُوعِهِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْأَفْرَادِ الْمُشَارِكَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ وَغَلَبَتِهَا، وَلِلْقِيَاسِ شُرُوطٌ مُدَوَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ لَا تَنْطَبِقُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ مِثْلَ أَمِيرِ الْمُومِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ هُمْ أَصْلُ الْخِبْرَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَدَارِكِهَا. قَوْلُهُ: (بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ) قَدْ ذَهَبَ إلَى التَّنْصِيفِ لِلْعَبْدِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَنَّهُ يَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُصَرِّحٌ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالتَّنْصِيفِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَيُلْحَقُ بِالْإِمَاءِ الْعَبِيدُ، وَيُلْحَقُ بِحَدِّ الزِّنَا سَائِرُ الْحُدُودِ، وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَا يَخْتَلِفُ فِي صِحَّتِهِ مَنْ أَثْبَتَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute