. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] إلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَهُ، وَفِي إسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ " بِالشَّكِّ، وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ هِيَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ، وَيُؤَيِّدُهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ عُرَيْنَةَ وَثَلَاثَةً مِنْ عُكْلٍ " وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ وَابْنُ التِّينِ أَنَّ عُرَيْنَةَ هُمْ عُكْلٌ وَهُوَ غَلَطٌ، بَلْ هُمَا قَبِيلَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، فَعُكْلٌ مِنْ عَدْنَانَ، وَعُرَيْنَةُ مِنْ قَحْطَانَ.
وَعُكْلٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ قَبِيلَةٌ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ. وَعُرَيْنَةُ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنُّونِ مُصَغَّرًا: حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ وَحَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي، كَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ. وَوَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ سَاقِطٍ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ وَهُوَ غَلَطٌ، لِأَنَّ بَنِي فَزَارَةَ مِنْ مُضَرَ لَا يَجْتَمِعُونَ مَعَ عُكْلٍ وَلَا مَعَ عُرَيْنَةَ أَصْلًا. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ قُدُومَهُمْ كَانَ بَعْدَ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ: (فَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ) فِي رِوَايَةٍ: " اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ " قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: اجْتَوَيْت الْمَدِينَةَ إذَا كَرِهْت الْمُقَامَ فِيهَا وَإِنْ كُنْت فِي نِعْمَةٍ، وَقَيَّدَهُ الْخَطَّابِيِّ بِمَا إذَا تَضَرَّرَ بِالْإِقَامَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَقَالَ الْقَزَّازُ: اجْتَوَوْا أَيْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ طَعَامُهَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْجَوَى: دَاءٌ يَأْخُذُ مِنْ الْوَبَاءِ، وَرِوَايَةُ " اسْتَوْخَمُوا " بِمَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الطِّبِّ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: الْمَدِينَةُ وَخِمَةٌ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَدِمُوا سِقَامًا، فَلَمَّا صَحُّوا مِنْ السَّقَمِ كَرِهُوا الْإِقَامَةَ بِالْمَدِينَةِ لِوَخَمِهَا، فَأَمَّا السَّقَمُ الَّذِي كَانَ بِهِمْ فَهُوَ الْهُزَالُ الشَّدِيدُ وَالْجَهْدُ مِنْ الْجُوعِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ بِهِمْ هُزَالٌ شَدِيدٌ. وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ مُصْفَرَّةٌ أَلْوَانُهَا، وَأَمَّا الْوَخَمُ الَّذِي شَكَوْا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ أَجْسَامُهُمْ فَهُوَ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا اللَّهَ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى الْجُحْفَةِ ". قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ وَرَاعٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الذَّوْدِ فِي الزَّكَاةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ " فَأَمَرَهُمْ بِلِقَاحٍ " أَيْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِهَا، وَفِي أُخْرَى لَهُ " فَأَمَرَ لَهُمْ بِلِقَاحٍ " وَاللِّقَاحُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا قَافٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ: النُّوقُ ذَوَاتُ الْأَلْبَانِ، وَاحِدَتُهَا لِقْحَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute