للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أُمَرَائِكُمْ وَشِرَارِهِمْ؟ خِيَارُهُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتَدْعُونَ لَهُمْ وَيَدْعُونَ لَكُمْ، وَشِرَارُ أُمَرَائِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَحَبَّةِ الْأَئِمَّةِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُحِبًّا لِلرَّعِيَّةِ وَمَحْبُوبًا لَدَيْهِمْ وَدَاعِيًا لَهُمْ وَمَدْعُوًّا لَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ خِيَارِ الْأَئِمَّةِ، وَمَنْ كَانَ بَاغِضًا لِرَعِيَّتِهِ مَبْغُوضًا عِنْدَهُمْ يَسُبُّهُمْ وَيَسُبُّونَهُ فَهُوَ مِنْ شِرَارِهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا عَدَلَ فِيهِمْ وَأَحْسَنَ الْقَوْلَ لَهُمْ أَطَاعُوهُ وَانْقَادُوا لَهُ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَسَبَّبُ بِالْعَدْلِ وَحُسْنِ الْقَوْلِ إلَى الْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالثَّنَاءِ مِنْهُمْ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْأَئِمَّةِ، وَلَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَسَبَّبُ أَيْضًا بِالْجَوْرِ وَالشَّتْمِ لِلرَّعِيَّةِ إلَى مَعْصِيَتِهِمْ لَهُ وَسُوءِ الْقَالَةِ مِنْهُمْ فِيهِ كَانَ مِنْ شِرَارِ الْأَئِمَّةِ.

قَوْلُهُ: (لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُنَابَذَةُ الْأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ مَا كَانُوا مُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُنَابَذَةِ عِنْدَ تَرْكِهِمْ لِلصَّلَاةِ. وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الْمُنَابَذَةُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ الْكُفْرِ الْبَوَاحِ وَهُوَ بِمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: " بَوَاحًا " يُرِيدُ ظَاهِرًا بَادِيًا مِنْ قَوْلِهِمْ: بَاحَ الشَّيْءُ يَبُوحُ بِهِ بَوْحًا وَبَوَاحًا: إذَا ادَّعَاهُ وَأَظْهَرَهُ. قَالَ: وَيَجُوزُ بَوْحًا بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَيَجُوزُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ. قَالَ: وَمَنْ رَوَاهُ بِالرَّاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. وَأَصْلُ الْبَرَاحِ: الْأَرْضُ الْقَفْرُ الَّتِي لَا أَنِيسَ فِيهَا وَلَا بِنَاءَ، وَقِيلَ: الْبَرَاحُ: الْبَيَانُ يُقَالُ بَرِحَ الْخَفَاءُ: إذَا ظَهَرَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مِنْ مُسْلِمٍ بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا بِالرَّاءِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " كُفْرًا صُرَاحًا " بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ " إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ بَوَاحًا ".

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: " مَا لَمْ يَأْمُرْك بِإِثْمٍ بَوَاحًا " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ: «سَيَلِي أُمُورَكُمْ مِنْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُونَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ، فَلَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ» . وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ: «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا تُنْكِرُونَ، فَلَيْسَ لِأُولَئِكَ عَلَيْكُمْ طَاعَةٌ» . قَوْلُهُ: (فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَن يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ مَا يَفْعَلُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْمَعَاصِي كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحِ: «فَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» وَيُمْكِنُ حَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخْتَصًّا بِالْأُمَرَاءِ إذَا فَعَلُوا مُنْكَرًا لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ تَحْرِيمِ مَعْصِيَتِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>