بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّاحِرِ وَذَمِّ السِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ
ــ
[نيل الأوطار]
وَمُنَابَذَتِهِمْ، فَكَفَى فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مُجَرَّدُ الْكَرَاهَةِ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ تَظَهُّرًا بِالْعِصْيَانِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْمُنَابَذَةِ بِالسَّيْفِ. قَوْلُهُ: (فِي جُثْمَانِ إنْسٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ: أَيْ لَهُمْ قُلُوبٌ كَقُلُوبِ الشَّيَاطِينِ وَأَجْسَامٌ كَأَجْسَامِ الْإِنْسِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُك وَأُخِذَ مَالُك فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَإِنْ بَلَغُوا فِي الْعَسْفِ وَالْجَوْرِ إلَى ضَرْبِ الرَّعِيَّةِ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] . قَوْلُهُ: (وَعَنْ عَرْفَجَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ: هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا حَاءٌ، وَقِيلَ: ابْنُ ضُرَيْحٍ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ: ذَرِيحٍ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَقِيلَ: صُرَيْحٍ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ: شَرَاحِيلُ، وَقِيلَ: سُرَيْجٌ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ، وَيُقَالُ لَهُ: الْأَشْجَعِيُّ، وَيُقَالُ: الْكِنْدِيُّ، وَيُقَالُ: الْأَسْلَمِيُّ. قَوْلُهُ: (بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَرَسُولُ فَاعِلُهُ. قَوْلُهُ: (فِي مَنْشَطِنَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الَّتِي بَيْنَهُمَا: أَيْ فِي حَالِ نَشَاطِنَا وَحَالِ كَرَاهَتِنَا وَعَجْزِنَا عَنْ الْعَمَلِ بِمَا نُؤَمَّرُ بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ الدَّاوُدِيّ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَكْرَهُونَهَا.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي وَقْتِ الْكَسَلِ وَالْمَشَقَّةِ فِي الْخُرُوجِ لِيُطَابِقَ مَعْنَى مَنْشَطِنَا. وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بِلَفْظِ «فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ» . قَوْلُهُ: (وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ طَاعَتَهُمْ لِمَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إيصَالِهِمْ حُقُوقَهُمْ، بَلْ عَلَيْهِمْ الطَّاعَةُ وَلَوْ مَنَعَهُمْ حَقَّهُمْ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ) أَيْ الْمُلْكَ وَالْإِمَارَةَ، زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ «وَإِنْ رَأَيْت أَنَّ لَك فِي الْأَمْر حَقًّا فَلَا تَعْمَلْ بِذَلِكَ الظَّنِّ، بَلْ اسْمَعْ وَأَطِعْ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْكُمْ بِغَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ الطَّاعَةِ» . قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنْ اللَّهِ بُرْهَانٌ) أَيْ نَصُّ آيَةٍ أَوْ خَبَرٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلُهُمْ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَةُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا تُنَازِعُوا وُلَاةَ الْأُمُورِ فِي وِلَايَتِهِمْ وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْوِلَايَةِ فَلَا يُنَازِعُهُ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْوِلَايَةِ إلَّا إذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ فِيمَا عَدَا الْوِلَايَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي الْوِلَايَةِ نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَيَتَوَصَّلَ إلَى تَثْبِيتِ الْحَقِّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَادِرًا، وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ الدَّاوُدِيّ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أُمَرَاءِ الْجَوْرِ أَنَّهُ إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute