٣٢٠٨ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسٌ عَنْ الْكِهَانَةِ فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ يَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
٣٢٠٩ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: تَدْرِي مِمَّا هَذَا؟ ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ
ــ
[نيل الأوطار]
بَعُدَ وَهَذَا لَا يَبْعُدُ وُجُودُهُ وَنَفَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ وَأَحَالُوهُمَا وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا بُعْدَ فِي وُجُودِهِ لَكِنَّهُمْ يَصْدُقُونَ وَيَكْذِبُونَ، وَالنَّهْيُ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَالسَّمَاعِ مِنْهُمْ عَامٌّ.
الثَّالِثُ: الْمُنَجِّمُونَ، وَهَذَا الضَّرْبُ يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهِ لِبَعْضِ النَّاسِ قُوَّةً مَا، لَكِنَّ الْكَذِبَ فِيهِ أَغْلَبُ وَمِنْ هَذَا الْفَنِّ الْعَرَافَةُ وَصَاحِبُهَا عَرَّافٌ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَدِلُّ عَلَى الْأُمُورِ بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَاتٍ يَدَّعِي مَعْرِفَتَهَا بِهَا، وَقَدْ يَعْتَضِدُ بَعْضُ هَذَا الْفَنِّ بِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ كَالزَّجْرِ وَالطَّرْقِ وَالنُّجُومِ وَأَسْبَابٍ مُعْتَادَةٍ، وَهَذِهِ الْأَضْرُبُ كُلُّهَا تُسَمَّى كِهَانَةً، وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ كُلَّهُمْ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْعَرَّافُ: هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْكَاهِنُ يَشْمَلُ الْعَرَّافَ وَالْمُنَجِّمَ. قَوْلُهُ: (فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ: " وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ التَّصْدِيقَ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ كُفْرِ مَنْ أَتَى الْكَاهِنَ وَالْعَرَّافَ.
قَوْلَهُ: (فَقَدْ كَفَرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْكُفْرُ الْحَقِيقِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ الْكُفْرُ الْمَجَازِيُّ، وَقِيلَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَاهِنَ وَالْعَرَّافَ يَعْرِفَانِ الْغَيْبَ وَيَطَّلِعَانِ عَلَى الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ كَانَ كَافِرًا كُفْرًا حَقِيقِيًّا كَمَنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ الْكَوَاكِبِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى إعَادَةٍ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهَا مُجْزِئَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ فِيهَا، كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: فَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ إذَا أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهَا الْكَامِلِ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا شَيْئَانِ: سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ، فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ حَصَلَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ أَتَى الْعَرَّافَ إعَادَةُ صَلَاةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute