٣٢١١ - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: فَلَا تَأْتِهِمْ، قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَطَّيَّرُونَ، قَالَ: ذَلِكَ بِشَيْءٍ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنكُمْ، قَالَ: قُلْت: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
ــ
[نيل الأوطار]
تَصِحُّ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْفِعْلِ وَتَكْثِيرِهِ. قَوْلُهُ: (فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ) فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِتَحْرِيمِ مَا أَخَذَهُ الْكُهَّانُ مِمَّنْ يَتَكَهَّنُونَ لَهُ وَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ اقْتَبَسَ) أَيْ تَعَلَّمَ يُقَالُ: قَبَسْت الْعِلْمَ وَاقْتَبَسْته: إذَا تَعَلَّمْته. وَالْقَبَسُ: الشُّعْلَةُ مِنْ النَّارِ، وَاقْتِبَاسُهَا: الْأَخْذُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ) أَيْ قِطْعَةً، فَكَمَا أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ وَالْعَمَلَ بِهِ حَرَامٌ، فَكَذَا تَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ وَالْكَلَامُ فِيهِ حَرَامٌ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُ التَّنْجِيمِ مِنْ عِلْمِ الْحَوَادِثِ وَالْكَوَائِنِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ وَسَتَقَعُ فِي مُسْتَقْبِلِ الزَّمَانِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ مَعْرِفَتَهَا بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ فِي مَجَارِيهَا وَاجْتِمَاعِهَا وَافْتِرَاقِهَا، وَهَذَا تَعَاطٍ لِعِلْمٍ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، قَالَ: وَأَمَّا عِلْمُ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الزَّوَالُ وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ وَكَمْ مَضَى وَكَمْ بَقِيَ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ التَّحَدُّثُ بِمَجِيءِ الْمَطَرِ وَوُقُوعِ الثَّلْجِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ.
قَوْلُهُ: (زَادَ مَا زَادَ) أَيْ زَادَ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ كَمِثْلِ مَا زَادَ مِنْ السِّحْرِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا ازْدَادَ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ فَكَأَنَّهُ ازْدَادَ مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَصْلَ عِلْمِ السِّحْرِ حَرَامٌ وَالِازْدِيَادُ مِنْهُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا فَكَذَا الِازْدِيَادُ مِنْ عِلْمِ التَّنْجِيمِ.
هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ طَوِيلٌ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَقَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ طَرَفٌ مِنْهُ، وَفِي الْعِتْقِ طَرَفٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَأْتِهِمْ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إتْيَانِ الْكُهَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (يَطَّيَّرُونَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ فِي أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَأَصْلُهُ يَتَطَيَّرُونَ أُدْغِمَتْ التَّاءُ الْفَوْقِيَّةُ فِي الطَّاءِ، وَالتَّطَيُّرُ: التَّشَاؤُمُ، وَأَصْلُهُ الشَّيْءُ الْمَكْرُوهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَرْئِيٍّ، وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ، فَيُنَفِّرُونَ الظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ فَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ تَبَرَّكُوا بِهِ وَمَضَوْا فِي سَفَرِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ، وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعُوا عَنْ سَفَرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَتَشَاءَمُوا، فَكَانَتْ تَصُدُّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ، فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَى عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute