. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
إلَيْهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالشُّؤْمِ هُنَا عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لِهَذِهِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي الْأَحَادِيثِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا لَمْ يَقَعْ الضَّرَرُ بِهِ وَلَا اطَّرَدَتْ بِهِ عَادَةٌ خَاصَّةٌ وَلَا عَامَّةٌ فَهَذَا لَا يُلْتَفَت إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهِ وَهُوَ الطِّيَرَةُ، وَالثَّانِي: مَا يَقَعُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ عُمُومًا لَا يَخُصُّهُ وَنَادِرًا لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوَبَاءِ فَلَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: يَخُصُّ وَلَا يَعُمُّ كَالدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ، فَهَذَا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ اهـ. وَالرَّاجِحُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فَيَكُونُ حَدِيثُ الشُّؤْمِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ حَدِيثِ " لَا طِيَرَةَ " فَهُوَ فِي قُوَّةِ لَا طِيَرَةَ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ مَعَ جَهْلِ التَّارِيخِ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَالتَّارِيخُ فِي أَحَادِيثِ الطِّيَرَةِ وَالشُّؤْمِ مَجْهُولٌ، وَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْوَبَاءَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ يَتَمَسَّكُ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا الطَّاعُونُ، وَالنَّهْيِ عَنْ دُخُولِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَالتِّرْمِذِيِّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا» .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ عِنْدَنَا يُقَالُ لَهَا أَرْضُ أَبْيَنَ هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا وَمِيرَتِنَا وَإِنَّهَا وَبِئَةٌ، أَوْ قَالَ: وَبَاؤُهَا شَدِيدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهَا عَنْك فَإِنَّ مِنْ الْقَرَفِ التَّلَفَ» اهـ. وَالْقَرَفُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ: وَهُوَ مُلَابَسَةُ الدَّاءِ وَمُقَارَبَةُ الْوَبَاءِ وَمُدَانَاةُ الْمَرْضَى وَكُلُّ شَيْءٍ قَارَبْته فَقَدْ قَارَفْته، وَالتَّلَفُ: الْهَلَاكُ، يَعْنِي مَنْ قَارَبَ مُتْلِفًا يَتْلَفْ إذَا لَمْ يَكُنْ هَوَاءُ تِلْكَ الْأَرْضِ مُوَافِقًا لَهُ فَيَتْرُكْهَا. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ، فَإِنَّ اسْتِصْلَاحَ الْهَوَاءِ مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْأَبْدَانِ، وَفَسَادَ الْهَوَاءِ مِنْ أَسْرَعِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْأَسْقَامِ.
قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ إلَى الْأَرْضِ الْوَبِئَةِ حِكَمًا. أَحَدُهَا: تَجَنُّبُ الْأَسْبَابِ الْمُؤْذِيَةِ وَالْبَعْدُ مِنْهَا. الثَّانِي: الْأَخْذُ بِالْعَافِيَةِ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ مَصَالِحِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَسْتَنْشِقُوا الْهَوَاءَ الَّذِي قَدْ عَفَنَ وَفَسَدَ فَيَكُونَ سَبَبًا لَلتَّلَفِ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يُجَاوِرَ الْمَرْضَى الَّذِينَ قَدْ مَرِضُوا بِذَلِكَ فَيَحْصُلَ لَهُ بِمُجَاوَرَتِهِمْ مِنْ جِنْسِ أَمْرَاضِهِمْ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا. اهـ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ فَرْوَةَ الْمَذْكُورَ مَا لَفْظُهُ: فِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. قَالَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ عَنْ فَرْوَةَ، وَأَسْقَطَ الْمَجْهُولَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُكَذِّبُهُ. اهـ. وَرِجَالُ إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مَخْلَدٍ بْنِ خَالِدٍ شَيْخِ مُسْلِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute