. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَعَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ حَدِيثِ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ، قَالَ: «كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا قَدْ بَايَعْنَاك فَارْجِعْ» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ» وَمِنْ ذَلِكَ " حَدِيثُ «لَا يُورِدْ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ فِي قِصَّةِ الْمَجْذُومِ، فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ. وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مَعَ مَجْذُومٍ، وَقَالَ لَهُ: كُلْ ثِقَةً بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» . وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لَنَا مَوْلًى مَجْذُومٌ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي. قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ إلَى الْأَكْلِ مَعَهُ، وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا نَسْخَ، بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ.
وَأَمَّا الْأَكْلُ مَعَهُ فَفَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، وَهَذَا شَيْخٌ بَصْرِيٌّ، وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ مِصْرِيٌّ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَشْهَرُ. وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، وَحَدِيثُ شُعْبَةَ أَشْبَهُ عِنْدِي وَأَصَحُّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ الْبَصْرِيُّ أَخُو مُبَارَكٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ غَيْرُ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، وَقَالُوا: تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ الْبَصْرِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو مَالِكٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، يَعْنِي حَدِيثَ الْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُومِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إذَا وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْذُومًا أَوْ حَدَثَ بِهِ جُذَامٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّ أَمَتَهُ هَلْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ إذَا أَرَادَهَا؟ قَالَ الْقَاضِي: قَالُوا: وَيُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ إذَا كَثُرُوا هَلْ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَوْضِعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute