للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا

٣٢١٧ - (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ لِإِدْخَالِ رَجُلٍ الْجَنَّةَ فَدَخَلَ الْكَنِيسَةَ فَإِذَا يَهُودُ، وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَوْا عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسَكُوا وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ ، فَقَالَ الْمَرِيضُ: إنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُك وَصِفَةُ أُمَّتِك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ لُوا أَخَاكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ــ

[نيل الأوطار]

الِاسْتِتَابَةَ لِلْمُرْتَدِّ قَبْلَ قَتْلِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اخْتَلَفُوا فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، فَقِيلَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُعَاذٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَصَرُّفُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ بِالْآيَاتِ الَّتِي لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلِاسْتِتَابَةِ، وَاَلَّتِي فِيهَا أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَنْفَعُ، وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَبِقِصَّةِ مُعَاذٍ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إلَى أَنَّ حُكْمَ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ حُكْمُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُدْعَى، قَالُوا: وَإِنَّمَا تُشْرَعُ الِاسْتِتَابَةُ لِمَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ بَصِيرَةٍ. فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ بَصِيرَةٍ فَلَا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُوَافَقَتَهُمْ، لَكِنْ إنْ جَاءَ مُبَادِرًا بِالتَّوْبَةِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَوُكِلَ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ كَانَ أَصْلُهُ مُسْلِمًا لَمْ يُسْتَتَبْ وَإِلَّا اُسْتُتِيبَ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْقَصَّارِ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ بِالْإِجْمَاعِ، يَعْنِي السُّكُوتِيَّ، لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي أَمْرِ الْمُرْتَدِّ: " هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ " ثُمَّ ذَكَرَ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» أَيْ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالِاسْتِتَابَةِ هَلْ يُكْتَفَى بِالْمَرَّةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثٍ؟ وَهَلْ الثَّلَاثُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي يَوْمٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَتَابُ شَهْرًا، وَعَنْ النَّخَعِيّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>