للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الشَّكِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ شَكٌّ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " لَقِيتُ ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَإِذَا عَيْنُهُ قَدْ طَفَتْ وَهِيَ خَارِجَةٌ مِثْلُ عَيْنِ الْحِمَارِ، فَلَمَّا رَأَيْتهَا قُلْت: أَنْشُدُك اللَّهَ يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَتَى طَفَتْ عَيْنُك؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ، قُلْت: كَذَبْت؛ وَهِيَ فِي رَأْسِك؟ ، قَالَ: فَمَسَحَهَا وَنَخَرَ ثَلَاثًا، فَزَعَمَ الْيَهُودُ أَنِّي ضَرَبْت بِيَدِي صَدْرَهُ وَقُلْت: اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: اجْتَنِبْ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا ".

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَفْظُهُ: " لَقِيته مَرَّتَيْنِ " فَذَكَرَ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ لَقِيته لُقْيَةً أُخْرَى، وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ، فَقُلْت: مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُك مَا أَرَى؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقُلْت: لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِك؟ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَلَهَا فِي عَصَاك هَذِهِ وَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْت، فَزَعَمَ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْته بِعَصًا كَانَتْ مَعِي حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَأَنَا وَاَللَّهِ مَا شَعَرْت، قَالَ: وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَحَدَّثَهَا، فَقَالَتْ: مَا تُرِيدُ إلَيْهِ، أَلَم تَسْمَعْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَّلُ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي أَمْرِهِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ الدَّجَّالُ الَّذِي يَقْتُلُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَلَمْ يَقَعْ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ أَحَدُ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَنْذَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: «إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَفْصَةَ وَابْنَ عُمَرَ أَرَادَا الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ، وَاللَّامُ فِي الْقِصَّةِ الْوَارِدَةِ عَنْهُمَا لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ، وَكَذَلِكَ حَلِفُ عُمَرَ وَجَابِرٍ السَّابِقِ عَلَى أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَشُكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «صَحِبَنِي ابْنُ صَيَّادٍ إلَى مَكَّةَ فَقَالَ: مَاذَا لَقِيت مِنْ النَّاسِ؛ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ، أَلَسْت سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ؟ قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِي، قَالَ: أَوَلَسْت سَمِعْته يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ؟ قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَقَدْ وُلِدْت بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ ابْنُ صَيَّادٍ هَذَا عَذَرْت النَّاسَ مَا لِي وَأَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ، أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللَّهِ إنَّ الدَّجَّالَ يَهُودِيٌّ، وَقَدْ أَسْلَمْت؟» فَذَكَرَ نَحْوَ الْأَوَّلِ.

وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ابْنُ صَيَّادٍ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ بِهِ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: حَتَّى كِدْت أَعْذِرُهُ.

وَفِي آخِرِ كُلٍّ مِنْ الطُّرُقِ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقُلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>