للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ حُكْمِ أَمْوَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَجِنَايَاتِهِمْ

ــ

[نيل الأوطار]

لَهُ: تَبًّا لَك سَائِرَ الْيَوْمِ. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيّ بِأَنَّ سُكُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَلِفِ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي أَمْرِهِ ثُمَّ جَاءَهُ التَّثَبُّتُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ قِصَّةُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَبِهِ تَمَسَّكَ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ وَطَرِيقُهُ أَصَحُّ، وَتَكُونُ الصِّفَةُ الَّتِي فِي ابْنِ صَيَّادٍ وَافَقَتْ مَا فِي الدَّجَّالِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ تَمِيمٍ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيهَا أَنَّ الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَكَانَ ابْنُ صَيَّادٍ أَحَدَ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُرُوجِهِمْ. وَقَدْ خَرَجَ أَكْثَرُهُمْ. وَكَأَنَّ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَمْ يَسْمَعُوا قِصَّةَ تَمِيمٍ. «وَقَدْ خَطَبَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ أَنَّ تَمِيمًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَقِيَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ - فِي دَيْرٍ فِي جَزِيرَةٍ لَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا حَتَّى وَصَلُوا إلَيْهَا - رَجُلًا كَأَعْظَمِ إنْسَانٍ رَأَوْهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدِّهِ وَثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِالْحَدِيدِ فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَك مَا أَنْتَ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ هَلْ بُعِثَ؟ وَأَنَّهُ قَالَ: إنْ تُطِيعُوهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي أَنَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدْعُ قَرْيَةً إلَّا هَبَطْتهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ شَيْخٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَسَنَدُهَا صَحِيحٌ. هَذَا الْحَدِيثُ يُنَافِي مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ أَصْلًا، إذْ لَا يَلْتَئِمُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَانَ فِي الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ شِبْهَ الْمُحْتَلِمِ، وَيَجْتَمِعُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَكُونَ شَيْخًا فِي آخِرِهَا مَسْجُونًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَوْثُوقًا بِالْحَدِيدِ يَسْتَفْهِمُ عَنْ خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ خَرَجَ أَمْ لَا؟ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ حَلِفُ عُمَرَ وَجَابِرٍ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ عِلْمِهِمَا بِقِصَّةِ تَمِيمٍ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ الْإِمَامِ مَا مُلَخَّصُهُ: إذَا أَخْبَرَ شَخْصٌ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهَلْ يَكُونُ سُكُوتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلًا عَلَى مُطَابَقَتِهِ مَا فِي الْوَاقِعِ كَمَا وَقَعَ لِعُمَرَ فِي حَلِفِهِ عَلَى ابْنِ صَيَّادٍ أَنَّهُ الدَّجَّالُ كَمَا فَهِمَهُ جَابِرٌ حَتَّى صَارَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَيَسْتَنِدُ إلَى حَلِفِ عُمَرَ أَوْ لَا يَدُلُّ؟ . فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ: وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَدُلُّ، لِأَنَّ مَأْخَذَ الْمَسْأَلَةِ وَمَنَاطَهَا هُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ التَّقْرِيرِ عَلَى بَاطِلٍ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْبُطْلَانِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ عَدَمُ تَحْقِيقِ الصِّحَّةِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَمْرِ ابْنِ صَيَّادٍ بَعْدَ كِبَرِهِ فَرُوِيَ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَشَفُوا وَجْهَهُ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ وَقِيلَ لَهُمْ: اشْهَدُوا.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: قِصَّةُ ابْنِ صَيَّادٍ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبِهٌ، وَلَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوحَ إلَيْهِ فِي أَمْرِهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ، وَكَانَ فِي ابْنِ صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ. فَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْطَعُ فِي أَمْرِهِ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَارِيخِ

<<  <  ج: ص:  >  >>