للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٨٩ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ: «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ»

ــ

[نيل الأوطار]

لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مَسِّ الْخِتَانِ لِلْخِتَانِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَتِمُّ دَعْوَى النَّسْخِ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْأَوَّلُونَ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ تَأَخُّرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا عَلَى النَّسْخِ، وَهُمَا صَرِيحَانِ فِي ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُهُمَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ آثَارًا تَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ التَّأَخُّرِ لَمْ يَنْتَهِضْ حَدِيثُ " الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ " لِمُعَارَضَةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ، وَهُمَا مَنْطُوقَانِ، وَالْمَنْطُوقُ أَرْجَحُ مِنْ الْمَفْهُومِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مَتَى غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَرَّحَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا دَاوُد.

قَوْلُهُ: (فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلِاغْتِسَالِ، وَحَقِيقَتُهُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَزَادَتْ الْهَادَوِيَّةُ مَعَ الدَّلْكِ، وَلَمْ نَجِدْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الدَّلْكَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْغُسْلِ، فَالْوَاجِبُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ لُغَةً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: حَدِيثُ «بُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» - عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ - مُشْعِرٌ بِوُجُوبِ الدَّلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِفَاضَةِ. لَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَجِبْ الدَّلْكُ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَسْحُ الْإِمْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْيَدِ يُصِيبُ مَا أَصَابَ وَيُخْطِئُ مَا أَخْطَأَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ.

٢٨٩ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ: «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» ) . وَلَهَا حَدِيثٌ آخَرُ بِلَفْظِ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاغْتَسَلْنَا» وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَخْطَأَ فِيهِ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مُرْسَلًا، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سَمِعْت فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ عَنْ أَبِيهِ. وَأَجَابَ مَنْ صَحَّحَهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ كَانَ نَسِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَوْ حَدَّثَ بِهِ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ثُمَّ نَسِيَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْلُو الْجَوَابُ عَنْ نَظَرٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ فِيهِ تَغْيِيرٌ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الصَّلَاحِ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَ شُعَبِهَا) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الشُّعَبِ.

قَوْلُهُ: (الْخِتَانُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>