بَابُ الْإِسْهَامِ لِمَنْ غَيَّبَهُ الْأَمِيرُ فِي مَصْلَحَةٍ
ــ
[نيل الأوطار]
وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَبَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ وَلِصَاحِبِهِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ تَشْهَدُ لَهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَنَعْنِي بِهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَالَ: وَأَرَى الْوَهْمَ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَثُمِائَةِ فَارِسٍ، وَإِنَّمَا كَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إنَّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفًا، وَلَكِنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَابْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ: وَهِمَ فِيهِ الرَّمَادِيُّ أَوْ شَيْخُهُ. وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ. وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ " لِلْفَرَسِ " وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ لَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: فَكَأَنَّ الرَّمَادِيَّ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَابْنِ نُمَيْرٍ مَعًا بِلَفْظِ: " أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ " قَالَ: وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مِثْلُ رِوَايَةِ الرَّمَادِيِّ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ: " أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ " وَقِيلَ: إنَّ إطْلَاقَ الْفَرَسِ عَلَى الْفَارِسِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: " يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي " كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ مُجَمِّعٍ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ لِمُعَارَضَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ تَمَسَّكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعِتْرَةِ بِحَدِيثِ مُجَمِّعٍ الْمَذْكُورِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ، فَجَلَعُوا لِلْفَارِسِ وَفَرَسِهِ سَهْمَيْنِ.
وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَأَبِي مُوسَى. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُعْطَى الْفَرَسُ سَهْمَيْنِ وَالْفَارِسُ سَهْمًا وَالرَّاجِلُ سَهْمًا. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ كَالْجُمْهُورِ. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْبَاقِرِ وَالنَّاصِرِ وَالْإِمَامِ يَحْيَى وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُ يُعْطَى الْفَارِسُ وَفَرَسُهُ ثَلَاثَةَ سِهَامٍ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِبَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قُلْت يَحْتَمِلُ أَنَّ الثَّالِثَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ تَنْفِيلٌ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاحْتِمَالِ مِنْ التَّعَسُّفِ.
وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِمَا أَسْلَفْنَا وَهُوَ جَمْعٌ نَيِّرٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْوِيلَ فِي جَانِبِ الْمَرْجُوحِ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا الرَّاجِحِ، وَالْأَدِلَّةُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّ لِلْفَارِسِ وَفَرَسِهِ سَهْمَيْنِ مَرْجُوحَةٌ لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِعِلْمِ السُّنَّةِ. وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute