للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

ــ

[نيل الأوطار]

الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ بِالْمَخْرَجِ الْبَعْثَةَ، وَإِنْ أَرَادَ الْهِجْرَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ فَأَسْلَمُوا وَأَقَامُوا بِبِلَادِهِمْ إلَى أَنْ عَرَفُوا فَعَزَمُوا بِالْهِجْرَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تَأَخَّرُوا هَذِهِ الْمُدَّةَ لِعَدَمِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا لِعِلْمِهِمْ بِمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ الْمُحَارَبَةِ مَعَ الْكُفَّارِ، فَلَمَّا بَلَغَتْهُمْ الْمُهَادَنَةُ أَمِنُوا وَطَلَبُوا الْوُصُولَ إلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: «خَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى جِئْنَا إلَى مَكَّةَ أَنَا وَأَخُوكَ وَأَبُو عَامِرِ بْنِ قَيْسٍ وَأَبُو رُهْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو بُرْدَةَ وَخَمْسُونَ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ وَسِتَّةٌ مِنْ عَكٍّ ثُمَّ خَرَجْنَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ» وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ مَرُّوا بِمَكَّةَ فِي حَالِ مَجِيئِهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا دَخَلُوا مَكَّةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَالَ الْهُدْنَةِ. قَوْلُهُ: (أَنَا وَأَخَوَانِ لِي) زَادَ الْبُخَارِيُّ: " أَنَا أَصْغَرُهُمْ " وَاسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ، وَأَبُو رُهْمٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ اسْمُهُ مَجْدِيٌّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ بِأَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ.

وَذَكَرَ ابْنُ قَانِعٍ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَخْبَرُوهُ وَحَقَّقُوا وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ أَنَّ اسْمَ أَبِي رُهْمٍ مَجِيلَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ ثُمَّ لَامٌ ثُمَّ هَاءٌ. قَوْلُهُ: (إمَّا قَالَ فِي بِضْعَةٍ. . . إلَخْ) . قَدْ بُيِّنَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسِينَ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ وَهُمْ قَوْمُهُ، فَلَعَلَّ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَبُو مُوسَى وَإِخْوَتُهُ، فَمَنْ قَالَ اثْنَيْنِ أَرَادَ مَنْ ذَكَرَهُمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَأَبُو رُهْمٍ، وَمَنْ قَالَ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَدِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ إخْوَتِهِ.

وَأَخْرَجَهُ الْبَلَاذِرِيُّ بِسَنَدٍ لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْأُصُولِ وَالْأَتْبَاعِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَقِيلَ أَقَلُّ. قَوْلُهُ: (فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أَيْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَدْ سَمَّى ابْنُ إِسْحَاقَ مَنْ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ فَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ وَهُمْ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَوْلُهُ: (وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْغَنِيمَةِ وَيُعْطِيَ بَعْضَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمَدَدِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى مَنْ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَهُمْ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْمَدَدِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ بِرِضَا بَقِيَّةِ الْجَيْشِ، وَبِهَذَا جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ مِنْ الْخُمُسِ. وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ لِكَوْنِهِمْ وَصَلُوا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ حَوْزِهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ لِلشَّافِعِيِّ. قَدْ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِسْهَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُثْمَانَ يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِسْهَامِ لِمَنْ غَيَّبَهُ الْأَمِيرُ فِي مَصْلَحَةٍ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ وَبِمَنْ كَانَ مِثْلَهُ. وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَيْثُ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>