للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

فَإِذَا أَقَامَ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ عَرِيفًا لَمْ يَسَعْ كُلَّ أَحَدٍ إلَّا الِانْقِيَادُ بِمَا أَمَرَ بِهِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَمِّ الْعُرَفَاءِ لَا يَمْنَعُ الْعُرَفَاءَ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ إنْ ثَبَتَ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعُرَفَاءِ الِاسْتِطَالَةُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَتَرْكُ الْإِنْصَافِ الْمُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَالْحَدِيثُ فِي ذَمِّ الْعُرَفَاءِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَفَعَهُ «الْعَرَافَةُ حَقٌّ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عَرِيفٍ وَالْعُرَفَاءُ مِنْ النَّارِ» وَلِأَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ» قَالَ الطِّيبِيُّ.

قَوْلُهُ: " وَالْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ " ظَاهِرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الضَّمِيرِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعِرَافَةَ عَلَى خَطَرٍ، وَمَنْ بَاشَرَهَا غَيْرُ آمِنٍ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ الْمُفْضِي إلَى الْعَذَابِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠] فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَتَوَرَّطَ فِيمَا يُؤَدِّيهِ إلَى النَّارِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ حَيْثُ تَوَعَّدَ الْأُمَرَاءَ بِمَا تَوَعَّدَ بِهِ الْعُرَفَاءَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ لَا يَسْلَمُ، فَإِنَّ الْكُلَّ عَلَى خَطَرٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّرٌ فِي الْجَمِيعِ، وَمَعْنَى الْعِرَافَةِ حَقٌّ أَنَّ أَصْلَ نَصْبِهِمْ حَقٌّ، فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَمِيرُ مِنْ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى مَا لَا يَتَعَاطَاهُ بِنَفْسِهِ، وَيَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ وُجُودُهُمْ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (بَنِي الْمُصْطَلِقِ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ) بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ، وَكَانَ أَبُوهَا سَيِّدَ قَوْمِهِ وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (مُلَّاحَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ: أَيْ مَلِيحَةً. وَقِيلَ شَدِيدَةَ الْمَلَاحَةِ وَجَمْعُهُ مِلَاحٌ وَأَمْلَاحٌ وَمُلَاحُونَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَمُلَّاحُونَ بِتَشْدِيدِهَا ذُكِرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي.

وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] الْآيَةَ. قَالَ: وَالْمُرَادُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ إجْمَاعًا إذْ كَانَ الْعَهْدُ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ دُونَ الْعَجَمِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَحْرِ: فَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ، فَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا أَوْ كِتَابِيًّا جَازَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا غَيْرَ كِتَابِيٍّ لَمْ يَجُزْ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ.

لَنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْ كَانَ الِاسْتِرْقَاقُ ثَابِتًا عَلَى الْعَرَبِ " الْخَبَرَ اهـ. وَهُوَ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٌ: «لَوْ كَانَ الِاسْتِرْقَاقُ جَائِزًا عَلَى الْعَرَبِ لَكَانَ الْيَوْمَ إنَّمَا هُوَ أَسْرَى» وَفِي إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>