أَبْوَابُ الْأَمَانِ وَالصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ بَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ بِالْأَمَانِ وَصِحَّتِهِ مِنْ الْوَاحِدِ
٣٤٥٨ - (عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
٣٤٥٩ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غُدْرَتِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمَ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
٣٤٦٠ - (وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ
ــ
[نيل الأوطار]
تَنْقَطِعُ " أَيْ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ: وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَا هِجْرَةَ " أَيْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ كَانَ بِنِيَّةِ عَدَمِ الرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ الْمُهَاجَرِ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنٍ، فَقَوْلُهُ: " لَا تَنْقَطِعُ " أَيْ هِجْرَةُ مَنْ هَاجَرَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ. وَقَدْ أَفْصَحَ ابْنُ عُمَرَ بِالْمُرَادِ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِلَفْظِ «انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ» أَيْ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا دَارُ كُفْرٍ فَالْهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ مِنْهَا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَخَشِيَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَى دِينِهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ أَنْ لَا يَبْقَى فِي الدُّنْيَا دَارُ كُفْرٍ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَنْقَطِعُ لِانْقِطَاعِ مُوجِبِهَا. وَأَطْلَقَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ وَاجِبَةً، وَأَنَّ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ كَافِرًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ إطْلَاقٌ مَرْدُودٌ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَاَلَّتِي انْقَطَعَتْ أَصْلًا هِيَ الْقَصْدُ إلَى حَيْثُ كَانَ. وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْهِجْرَةَ عَنْ دَارِ الْكُفْرِ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا حَيْثُ حُمِلَ عَلَى مَعْصِيَةِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ أَوْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ بِقُوَّتِهِ لِسُلْطَانِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ جَعْفَرُ بْنُ مُبَشِّرٍ وَبَعْضُ الْهَادَوِيَّةِ إلَى وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَنْ دَارِ الْفِسْقِ قِيَاسًا عَلَى دَارِ الْكُفْرِ، وَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ.
وَالْحَقُّ عَدَمُ وُجُوبِهَا مِنْ دَارِ الْفِسْقِ لِأَنَّهَا دَارُ إسْلَامِ، وَإِلْحَاقُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِدَارِ الْكُفْرِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْمَعَاصِي فِيهَا عَلَى وَجْهِ الظُّهُورِ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لِعِلْمِ الرِّوَايَةِ وَلَا لِعِلْمِ الدِّرَايَةِ، وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَفَاصِيلِ الدُّورِ وَالْأَعْذَارِ الْمُسَوِّغَةِ لِتَرْكِ الْهِجْرَةِ مَبَاحِثُ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute