بَابُ طَوَافِ الْجُنُبِ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَبِأَغْسَالٍ
٣٠٧ - (عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ. فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ)
ــ
[نيل الأوطار]
فِي جَسْرَةَ إنَّ عِنْدَهَا عَجَائِبُ لَا يَكْفِي فِي رَدِّ أَخْبَارِهَا. وَقَالَ الْعِجْلِيّ: تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ. وَذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَقَدْ حَسَّنَ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ جَسْرَةَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ وَلَعَمْرِي إنَّ التَّحْسِينَ لَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ لِثِقَةِ رُوَاتِهِ وَوُجُودِ الشَّوَاهِدِ لَهُ مِنْ خَارِجٍ. فَلَا حُجَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ حَزْمٍ فِي رَدِّهِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى تَصْحِيحِ مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَافٍ فِي الرَّدِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي أَوَاخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: إنَّ أَفْلَتَ مَتْرُوكٌ فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى عَدَمِ حِلِّ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِنَهْيِ عَائِشَةَ عَنْ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ دَاوُد وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرُهُمْ: إنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ إذَا تَوَضَّأَ لِرَفْعِ الْحَدَثِ لَا الْحَائِضِ فَتُمْنَعُ. قَالَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا: إنَّ حَدِيثَ الْبَابِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَاطِلٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَالنَّهْيُ لِكَوْنِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةً وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ قَاضِيَةٌ بِالْجَوَازِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ كَمَا عَرَفْت إمَّا حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِالْبُطْلَانِ مُجَازَفَةً، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي مِثْلِهَا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ إذَا تَوَضَّأَ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَفْظُهُ وَهَذَا يَمْنَعُ بِعُمُومِهِ دُخُولَهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمُجْتَازُ لِمَا سَبَقَ، وَالْمُتَوَضِّئُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: (رَأَيْت رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ) . وَرَوَى حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ جُنُبًا فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَتَحَدَّثُ) انْتَهَى. وَلَكِنْ فِي كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّهُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
وَعَلَى تَسْلِيمِ الصِّحَّةِ لَا يَكُونُ مَا وَقَعَ مِنْ الصَّحَابَةِ حُجَّةً وَلَا سِيَّمَا إذَا خَالَفَ الْمَرْفُوعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute