٣٠٥ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
٣٠٦ - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرْحَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ: ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] وَالْعُبُورُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ لَا فِي الصَّلَاةِ، وَتَقْيِيدُ جَوَازِ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْمَارِّ،؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَكْرَارًا يُصَانُ الْقُرْآنُ عَنْ مِثْلِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ أَبْوَابُهُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ تُصِيبُهُمْ جَنَابَةٌ فَلَا يَجِدُونَ الْمَاءَ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] وَهَذَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمَحَلٍّ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ رَيْبٌ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْعُبُورِ وَهُمْ: الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَسَيَأْتِي فَمَعَ كَوْنِهِ فِيهِ مَقَالٌ سَنُبَيِّنُهُ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِأَدِلَّةِ جَوَازِ الْعُبُورِ. وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَجْنَبَ تَعَسُّفٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
٣٠٦ - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرْحَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) . الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَخْرَجَ الثَّانِي أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَكِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ، وَضَعَّفَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: بِأَنَّ أَفْلَتَ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَأَفْلَتُ رَاوِيهِ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ أَفْلَتَ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ شَيْخٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. وَقَالَ فِي الْكَاشِفِ: صَدُوقٌ. وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ، وَأَمَّا جَسْرَةُ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّ عِنْدَهَا عَجَائِبُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute