. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
إلَى الْوَعْرِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَجَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا وَقَعَ مِنْ شَخْصٍ هَفْوَةٌ لَا يُعْهَدُ مِنْهُ مِثْلُهَا لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا وَيُرَدُّ عَلَى مَنْ نَسَبَهُ إلَيْهَا وَمَعْذِرَةُ مَنْ نَسَبَهُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ صُورَةَ الْحَالِ قَوْلُهُ: (حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَكَّةَ: أَنْ حَبَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ كَمَا حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ دُخُولِهَا، وَقِصَّةُ الْفِيلِ مَشْهُورَةٌ.
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَوْ دَخَلُوا مَكَّةَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَدَّهُمْ قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ لَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ قَدْ يُفْضِي إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ كَمَا لَوْ قُدِّرَ دُخُولُ الْفِيلِ وَأَصْحَابِهِ مَكَّةَ، لَكِنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّه تَعَالَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ خَلْقٌ مِنْهُمْ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ نَاسٌ يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، فَلَوْ طَرَقَ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ لَمَا أُمِنَ أَنْ يُصَابَ مِنْهُمْ نَاسٌ بِغَيْرِ عَمْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} [الفتح: ٢٥] الْآيَةَ. وَوَقَعَ لِلْمُهَلَّبِ اسْتِبْعَادُ جَوَازِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَهِيَ حَابِسُ الْفِيلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: الْمُرَادُ حَبَسَهَا أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَالُ: حَبَسَهَا اللَّهُ حَابِسُ الْفِيلِ، كَذَا أَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ تَوْقِيفِيَّةٌ. وَقَدْ تَوَسَّطَ الْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا: مَحَلُّ الْمَنْعِ مَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ مُشْعِرًا بِنَقْصٍ، فَيَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ الْوَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر: ٩] وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ الْبِنَاءَ وَإِنْ وَرَدَ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧] قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ جَوَازُ التَّشْبِيهِ مِنْ الْجِهَةِ الْعَامَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ الْخَاصَّةُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ مَحْضٍ، وَأَصْحَابُ هَذِهِ النَّاقَةِ كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَحْضٍ، وَلَكِنْ جَاءَ التَّشْبِيهُ مِنْ جِهَةِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَنَعَ الْحَرَمَ مُطْلَقًا. أَمَّا مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فَلِلْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: مَعْنَى تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَرْكُ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ وَالْجُنُوحُ إلَى الْمُسَالَمَةِ وَالْكَفِّ عَنْ إرَادَةِ سَفْكِ الدِّمَاءِ قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا قَوْلُهُ: (خُطَّةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ خَصْلَةٌ يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ: أَيْ مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحُرُمَاتِ: حُرُمَاتِ الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ وَالْإِحْرَامِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي الثَّالِثِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَوْ عَظَّمُوا الْإِحْرَامَ مَا صَدُّوهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ إِسْحَاقَ " يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ " وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ حُرُمَاتِ اللَّهِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا) أَيْ أَجَبْتُهُمْ إلَيْهَا. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا فِي كُلِّ حَالَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا وَاجِبًا حَتْمًا فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute