للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

بَاطِنِهِ خِلَافُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَجَابَ بِهِ سُهَيْلٌ عَلَى مِكْرَزٍ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ سُهَيْلًا لَمْ يُجِبْهُ لِأَنَّ مِكْرَزًا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ جُعِلَ لَهُ أَمْرُ عَقْدِ الصُّلْحِ بِخِلَافِ سُهَيْلٍ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاقِدِيَّ رَوَى أَنَّ مِكْرَزًا كَانَ مِمَّنْ جَاءَ فِي الصُّلْحِ مَعَ سُهَيْلٍ وَكَانَ مَعَهُمَا حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، لَكِنْ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إجَازَةَ مِكْرَزٍ لَمْ تَكُنْ فِي أَنْ لَا يَرُدَّهُ إلَى سُهَيْلٍ بَلْ فِي تَأْمِينِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّ مِكْرَزًا وَحُوَيْطِبًا أَخَذَا أَبَا جَنْدَلٍ فَأَدْخَلَاهُ فُسْطَاطًا وَكَفَّا أَبَاهُ عَنْهُ.

وَفِي مَغَازِي ابْنِ عَائِذٍ نَحْوُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَفْظُهُ " فَقَالَ مِكْرَزٌ وَكَانَ مِمَّنْ أَقْبَلَ مَعَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْتِمَاسِ الصُّلْحِ: أَنَا لَهُ جَارٌ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ فُسْطَاطًا " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ أَقْوَى مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْأُوَلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْهُ بِأَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ لِيَكُفَّ الْعَذَابَ عَنْهُ لِيَرْجِعَ إلَى طَوَاعِيَةِ أَبِيهِ فَمَا خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ الْفُجُورِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ السَّابِقَةِ بِلَفْظِ " فَقَالَ مِكْرَزٌ ": قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ يُخَاطِبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ

قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ. . . إلَخْ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ فَإِنَّا لَا نَقْدِرُ وَإِنَّ اللَّهُ جَاعِلٌ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا» . قَالَ الْخَطَّابِيِّ: تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ التَّقِيَّةَ لِلْمُسْلِمِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ. وَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مَعَ إضْمَارِ الْإِيمَانِ إنْ لَمْ تُمْكِنْهُ التَّوْرِيَةُ فَلَمْ يَكُنْ رَدُّهُ إلَيْهِمْ إسْلَامًا لِأَبِي جَنْدَلٍ إلَى الْهَلَاكِ مَعَ وُجُودِ السَّبِيلِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الْمَوْتِ بِالتَّقِيَّةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ إلَى أَبِيهِ.

وَالْغَالِبُ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْهَلَاكِ وَإِنْ عَذَّبَهُ أَوْ سَجَنَهُ فَلَهُ مَنْدُوحَةٌ بِالتَّقِيَّةِ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِتْنَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ امْتِحَانٌ مِنْ اللَّهِ يَبْتَلِي بِهِ صَبْرَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا مِنْ عِنْدِهِمْ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: نَعَمْ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ. وَقِيلَ: لَا، وَأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْقِصَّةِ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ نَاسِخَهُ حَدِيثُ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَيْنَ مُشْرِكِينَ» وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْعَاقِلِ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَلَا يُرَدَّانِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: ضَابِطُ جَوَازِ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ بِحَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ

قَوْلُهُ: (أَلَسْتُ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى) زَادَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَقَدْ دَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ وَرَاجَعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَاجَعَةً مَا رَجَعْتُهُ مِثْلَهَا قَطُّ

قَوْلُهُ: (فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ

قَوْلُهُ: (أَوْ لَيْسَ كُنْتَ حَدَّثْتَنَا. . . إلَخْ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ كَانَ الصَّحَابَةُ لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَوْا الصُّلْحَ دَخَلَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>