. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا يَهْلِكُونَ. وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَأَى فِي مَنَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْبَيْتَ، فَلَمَّا رَأَوْا تَأْخِيرَ ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهِمْ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ جَوَازُ الْبَحْثِ فِي الْعِلْمِ حَتَّى يَظْهَرَ الْمَعْنَى، وَأَنَّ الْكَلَامَ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ حَتَّى تَظْهَرَ إرَادَةُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ حَيَاتِهِ
قَوْلُهُ: (فَأَتَيْت أَبَا بَكْرٍ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ عُمَرُ أَنَّهُ رَاجَعَ أَحَدًا فِي ذَلِكَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ لِمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْجَلَالَةِ، وَفِي جَوَابِ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ وَجَوْدَةِ عِرْفَانِهِ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ لِلْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الرِّكَابِ لِلْفَرَسِ، وَالْمُرَادُ التَّمَسُّكُ بِأَمْرِهِ وَتَرْكُ الْمُخَالَفَةِ لَهُ كَاَلَّذِي يُمْسِكُ بِرِكَابِ الْفَارِسِ فَلَا يُفَارِقُهُ
قَوْلُهُ: (قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا) الْقَائِلُ هُوَ الزُّهْرِيُّ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " أَعْمَالًا " أَيْ مِنْ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ وَالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَكًّا مِنْ عُمَرَ بَلْ طَلَبًا لِكَشْفِ مَا خَفَيَ عَلَيْهِ، وَحَثًّا عَلَى إذْلَالِ الْكُفَّارِ بِمَا عُرِفَ مِنْ قُوَّتِهِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَفْسِيرُ الْأَعْمَالِ بِمَا ذَكَرَ مَرْدُودٌ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لِتُكَفِّرَ عَنْهُ مَا مَضَى مِنْ التَّوَقُّفِ فِي الِامْتِثَالِ ابْتِدَاءً، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عُمَرَ التَّصْرِيحُ بِمُرَادِهِ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ " وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَازِلْتُ أَتَصَدَّقُ وَأَصُومُ وَأُصَلِّي وَأُعْتِقُ مِنْ الَّذِي صَنَعْت يَوْمَئِذٍ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ " وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عُمَرُ: " لَقَدْ أَعْتَقْتُ بِسَبَبِ ذَلِكَ رِقَابًا وَصُمْت دَهْرًا ". قَالَ السُّهَيْلِيُّ: هَذَا الشَّكُّ الَّذِي حَصَلَ لِعُمَرَ هُوَ مَا لَا يَسْتَمِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَسْوَسَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تَوَقُّفٌ مِنْهُ لِيَقِفَ عَلَى الْحِكْمَةِ وَتَنْكَشِفَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ. وَنَظِيرُهُ قِصَّتُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى لَمْ يُطَابِقْ اجْتِهَادُهُ الْحُكْمَ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ هَذِهِ الْقِصَّةُ، وَإِنَّمَا عَمَلَ الْأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ لِهَذِهِ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ مَا صَدَرَ مِنْهُ كَانَ مَعْذُورًا فِيهِ، بَلْ هُوَ فِيهِ مَأْجُورٌ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ «فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ أَشْهَدَ جَمَاعَةً عَلَى الصُّلْحِ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ»
قَوْلُهُ: (فَوَاَللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ أَحَدٌ) قِيلَ كَأَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ لِلنَّدْبِ أَوْ لِرَجَاءِ نُزُولِ الْوَحْيِ بِإِبْطَالِ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ أَوْ أَنْ يُخَصِّصَهُ بِالْإِذْنِ بِدُخُولِهِمْ مَكَّةَ ذَلِكَ الْعَامَ لَإِتْمَامِ نُسُكِهِمْ وَسَوَّغَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ زَمَانَ وُقُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute