للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ «صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا نُهِيتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ لَهْوٌ وَلَعِبٌ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ، وَصَوْتٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ وَخَمْشُ وَجْهٍ وَشَقُّ جَيْبٍ وَرَنَّةُ شَيْطَانٍ» .

وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ صَوْتَ الْخَلْخَالِ كَمَا يُبْغِضُ الْغِنَاءَ» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ قَدْ صَنَّفَ فِي جَمِيعِهَا جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ حَزْمٍ وَابْنِ طَاهِرٍ وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنِ حَمْدَانَ الْإِرْبِلِيّ وَالذَّهَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدْ أَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْهَا بِأَنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ وَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ فِي التَّحْرِيمِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ النَّحْوِيِّ فِي الْعُمْدَةِ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: إنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ مَرْفُوعٌ مِنْهَا، وَإِلَّا فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: ٦] قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: إنَّهُمْ لَوْ أَسْنَدُوا حَدِيثًا وَاحِدًا فَهُوَ إلَى غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ} [لقمان: ٦] الْآيَةَ، أَنَّهُمَا فَسَّرَا اللَّهْوَ بِالْغِنَاءِ.

قَالَ: وَنَصُّ الْآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: ٦] وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا ذَمَّ مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُرَوِّحَ بِهِ نَفْسَهُ لَا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَمْ أَعْلَمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي السُّنَّةِ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ الْمَلَاهِي، وَإِنَّمَا هِيَ ظَوَاهِرُ وَعُمُومَاتٌ يَتَأَنَّسُ بِهَا لَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: ٥٥] وَأَيُّ دَلِيلٍ فِي ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَلَاهِي وَالْغِنَاءِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا، فَكَانَ الْيَهُودُ يَلْقَوْنَهُمْ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ فَيُعْرِضُونَ عَنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْيَهُودَ أَسْلَمُوا فَكَانُوا إذَا سَمِعُوا مَا غَيَّرَهُ الْيَهُودُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَدَّلُوا مِنْ نَعْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَتِهِ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَذَكَرُوا الْحَقَّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا سَمِعُوا الْبَاطِلَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَكُونُوا يَهُودًا وَلَا نَصَارَى وَكَانُوا عَلَى دِينِ اللَّهِ، كَانُوا يَنْتَظِرُونَ بَعْثَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ بِمَكَّةَ أَتَوْهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَأَسْلَمُوا، وَكَانَ الْكُفَّارَ مِنْ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ لَهُمْ: أُفٍّ لَكُمْ اتَّبَعْتُمْ غُلَامًا كَرِهَهُ قَوْمُهُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ.

وَهَذَا الْأَخِيرُ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَقُومُ الدَّلِيلُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى. وَيُجَابُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>