للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْوَابُ الصَّيْدِ بَابُ مَا يَجُوزُ فِيهِ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ وَقَتْلُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ

ــ

[نيل الأوطار]

فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا، فَفِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: «اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ» وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَيَّةِ الْخَارِجَةِ بِمِنًى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ إنْذَارًا وَلَا نُقِلَ أَنَّهُمْ أَنْذَرُوهَا، فَأَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي اسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْحَيَّاتِ مُطْلَقًا، وَخُصَّتْ الْمَدِينَةُ بِالْإِنْذَارِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا. وَسَبَبُهُ مَا صُرِّحَ بِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ طَائِفَةٌ مِنْ الْجِنِّ بِهَا. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عُمُومِ النَّهْيِ فِي حَيَّاتِ الْبُيُوتِ بِكُلِّ بَلَدٍ حَتَّى تُنْذَرَ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي الْبُيُوتِ فَيُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ. قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتٍ مُطْلَقًا مَخْصُوصٌ بِالنَّهْيِ عَنْ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ إلَّا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي بُيُوتٍ أَمْ غَيْرِهَا وَإِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ. قَالُوا: وَيُخَصُّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ الْأَبْتَرِ وَذِي الطُّفْيَتَيْنِ. اهـ.، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَمَلُ الْأُصُولِيُّ فِي مِثْلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَرْجَحُ. وَأَمَّا صِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ فَقَالَ الْقَاضِي: رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَقُولُ: «أُنْشِدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد أَنْ تُؤْذِنَّنَا وَأَنْ تَظْهَرْنَ لَنَا» وَقَالَ مَالِكٌ: يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: أُحَرِّجُ عَلَيْك بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ لَا تَبْدُوَا لَنَا وَلَا تُؤْذِيَنَا.

وَلَعَلَّ مَالِكًا أَخَذَ لَفْظَ التَّحْرِيجِ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَتَبْوِيبُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ مِنْ أُصُولِ التَّحْرِيمِ قَالَ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: أُصُولُ التَّحْرِيمِ إمَّا نَصُّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْأَمْرُ بِقَتْلِهِ كَالْخَمْسَةِ وَمَا ضَرَّ مِنْ غَيْرِهَا فَمَقِيسٌ عَلَيْهَا أَوْ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِ كَالْهُدْهُدِ وَالْخُطَّافِ وَالنَّحْلَةِ وَالنَّمْلَةِ وَالصُّرَدِ أَوْ اسْتِخْبَاثُ الْعَرَبِ إيَّاهُ كَالْخُنْفِسَاءِ وَالضُّفْدَعِ وَالْعِظَايَةِ وَالْوَزَغِ وَالْحِرْبَاءِ وَالْجِعْلَانِ وَكَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَالزُّنْبُورِ وَالْقَمْلِ وَالْكَتَّانِ وَالنَّامِسِ وَالْبَقِّ وَالْبُرْغُوثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَهِيَ مُسْتَخْبَثَةٌ عِنْدَهُمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، فَكَانَ اسْتِخْبَاثُهُمْ طَرِيقَ تَحْرِيمٍ، فَإِنْ اسْتَخْبَثَهُ الْبَعْضُ اُعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ، وَالْعِبْرَةُ بِاسْتِطَابَةِ أَهْلِ السَّعَةِ لَا ذَوِي الْفَاقَةِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا ثَبَتَ النَّاقِلُ عَنْ الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ وَهُوَ أَحَدُ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَاقِلٌ صَحِيحٌ فَالْحُكْمُ بِحِلِّهِ هُوَ الْحَقُّ كَائِنًا مَا كَانَ، وَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ التَّرَدُّدُ فَالْمُتَوَجِّهُ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ لِأَنَّ النَّاقِلَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مَعَ التَّرَدُّدِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَصَالَةَ الْحِلِّ بِالْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ اسْتِصْحَابُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>