بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْبَازِي وَنَحْوِهِمَا
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَيْهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " أَوْ كَلْبُ حَرْثٍ "، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ قَوْلُهُ: (أَوْ مَاشِيَةٍ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْكِلَابِ لِحِفْظِ الْمَاشِيَةِ عِنْدَ رَعْيِهَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " وَلَا ضَرْعًا " الْمَاشِيَةُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ) أَيْ الْخَالِصِ السَّوَادِ وَالنُّقْطَتَانِ هُمَا الْكَائِنَتَانِ فَوْقَ الْعَيْنَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ لِلزَّرْعِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ، وَكَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اتِّخَاذُهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قِيَاسًا فَتَمْحَضُ كَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إلَى الْبَيْتِ الَّذِي الْكِلَابُ فِيهِ.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ " أَيْ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ اتِّخَاذُهُ مُحَرَّمًا امْتَنَعَ اتِّخَاذُهُ عَلَى كُلِّ حَالِ سَوَاءٌ نَقَصَ الْأَجْرُ أَمْ لَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا: وَوَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَبَّدَ بِهَا فِي الْكِلَابِ مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا لَا يَكَادُ يَقُومُ بِهَا الْمُكَلَّفُ وَلَا يَتَحَفَّظُ مِنْهَا، فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ بِاِتِّخَاذِهَا مَا يُنْقِصُ أَجْرَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ أَنَّ الْمَنْصُورَ بِاَللَّهِ سَأَلَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ لِأَنَّهُ يَنْبَحُ الضَّيْفَ وَيُرَوِّعُ السَّائِلَ اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ تَقَعُ بِعَدَمِ التَّوْفِيقِ لِلْعَمَلِ بِمِقْدَارِ قِيرَاطٍ مِمَّا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ لَمْ يَتَّخِذْ كَلْبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاتِّخَاذُ حَرَامًا. وَالْمُرَادُ بِالنَّقْصِ: أَنَّ الْإِثْمَ الْحَاصِلَ بِاِتِّخَاذِهِ يُوَازِنُ قَدْرَ قِيرَاطٍ أَوْ قِيرَاطَيْنِ مِنْ أَجْرٍ فَيُنْتَقَصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِ الْمُتَّخَذِ قَدْرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ بِاِتِّخَاذِهِ وَهُوَ قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ، وَقِيلَ سَبَبُ النُّقْصَانِ امْتِنَاعُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ. أَوْ مَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنْ الْأَذَى، أَوْ لِأَنَّ بَعْضَهَا شَيَاطِينُ، أَوْ عُقُوبَةٍ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ، أَوْ لِوُلُوغِهَا فِي الْأَوَانِي عِنْدَ غَفْلَةِ صَاحِبِهَا فَرُبَّمَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ مِنْهَا، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْعِبَادَةِ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الطَّاهِرِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَّخِذْهُ لَكَانَ عَمَلُهُ كَامِلًا، فَإِذَا اقْتَنَاهُ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عَمَلٍ مَضَى، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَمَالِ كَعَمَلِ مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مُنَازَعٌ فِيهِ. فَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ اخْتِلَافًا فِي الْأَجْرِ هَلْ يُنْقِصُ مِنْ الْعَمَلِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِي مَحِلِّ نُقْصَانِ الْقِيرَاطَيْنِ خِلَافٌ، فَقِيلَ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ قِيرَاطٌ وَمِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ آخَرُ، وَقِيلَ مِنْ الْفَرْضِ قِيرَاطٌ وَمِنْ النَّفْلِ آخَرُ. وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقِيرَاطَيْنِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالْقِيرَاطُ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ.
فَقِيلَ الْحُكْمُ لِلزَّائِدِ لِكَوْنِهِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ الْآخَرُ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute