للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ

ــ

[نيل الأوطار]

عَرِيضٌ لَهُ ثِقَلُ وَرَزَانَةٌ، وَقِيلَ عُودٌ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ، وَقِيلَ: خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ آخِرُهَا عَصًا مُحَدَّدٌ رَأْسُهَا وَقَدْ لَا يُحَدَّدُ، وَقَوَّى هَذَا الْأَخِيرَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّهُ مَشْهُورٌ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمِعْرَاضُ: عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي بِهَا الصَّائِدُ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ فَيُؤْكَلُ، وَمَا أَصَابَ بِغَيْرِ حَدِّهِ فَهُوَ وَقِيذٌ

قَوْلُهُ: (فَخَزَقَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ: أَيْ نَفَذَ، يُقَالُ: سَهْمٌ خَازِقٌ: أَيْ نَافِذٌ، وَيُقَالُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلُ الزَّاي، وَقِيلَ الْخَزْقُ بِالزَّايِ وَقَدْ تُبَدَّلُ سِينًا: الْخَدْشُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّهْمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ حَلَّ وَكَانَتْ تِلْكَ ذَكَاتُهُ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَشَبَةِ الثَّقِيلَةِ أَوْ الْحَجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُثْقَلِ. قَوْلُهُ: (بِعَرْضِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ.

وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ يَحِلُّ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ بَسْطٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا. وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْحَدِيثِ بِالْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ. وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ: أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، فَقَالَ: كُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. قَالَ: وَسَلَكَ النَّاسُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ طُرُقًا مِنْهَا لِلْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ: الْأَوْلَى حَمْلُ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى مَا إذَا قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ. وَالثَّانِيَةُ التَّرْجِيحُ. فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرِوَايَةُ الْأَعْرَابِيِّ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ وَمُخْتَلَفٌ فِي تَضْعِيفِهَا، وَأَيْضًا فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ صَرِيحَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْلِيلِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ خَوْفُ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ مُتَأَيِّدَةٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَيْتَةِ التَّحْرِيمُ، فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ رَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَلِظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ الَّذِي تُمْسِكُهُ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ لَا يُبَاحُ، وَيَتَقَوَّى أَيْضًا بِالشَّوَاهِدِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ «إذَا أَرْسَلْت الْكَلْبَ فَأَكَلَ الصَّيْدَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْإِمْسَاكِ كَافِيًا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ " عَلَيْكُمْ " فِي الْآيَةِ.

وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ فَحَمَلُوا حَدِيثَ عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. وَحَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ أَنَّ عَدِيًّا كَانَ مُوسِرًا فَاخْتِيرَ لَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَوْلَى، بِخِلَافِ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَإِنَّهُ كَانَ بِعَكْسِهِ، وَلَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>