للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦١٦ - (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

ضَعْفُ هَذَا التَّمَسُّكِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالتَّعْلِيلِ فِي الْحَدِيثِ لِخَوْفِ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى الَّذِي أَدْرَكَهُ مَيْتًا مِنْ شِدَّةِ الْعَدْوِ أَوْ مِنْ الصَّدْمَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِرْسَالُ وَالْإِمْسَاكُ عَلَى صَاحِبِهِ.

قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ " أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهُ غَيْرُ الْأَكْلِ دُونَ إرْسَالِ الصَّائِدِ لَهُ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَقْطُوعَةً عَمَّا قَبْلَهَا، وَلَا يَخْفَى تَعَسُّفُ هَذَا وَبُعْدُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مُجَرَّدُ إرْسَالِنَا الْكَلْبَ إمْسَاكٌ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا نِيَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا يَتَصَيَّدُ بِالتَّعْلِيمِ، فَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِأَنْ يُمْسِكَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، وَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَتَمَيَّزَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ مَنْ لَهُ نِيَّةٌ وَهُوَ مُرْسِلُهُ، فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَقَدْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُرْسِلْهُ فَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ. وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَمُصَادَمَتُهُ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] صِدْنَ لَكُمْ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ أَكْلَهُ مِنْهُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهِ. فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «إنْ شَرِبَ مِنْ دَمِهِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا عَلِمْتَهُ» وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي أَكْلِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ يَعْلَمُ التَّعْلِيمَ الْمُشْتَرَطَ، وَسَلَكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ التَّرْجِيحَ فَقَالَ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ ذَكَرَهَا الشَّعْبِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا هَمَّامٌ، وَعَارَضَهَا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي ثَعْلَبَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا تَرْجِيحٌ مَرْدُودٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَتَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ إذَا أَخَذَهُ الْكَلْبُ بِفِيهِ وَهَمَّ بِأَكْلِهِ فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ مَا أَكَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ بِفِيهِ وَشُرُوعَهُ فِي أَكَلِهِ مِثْلُ الْأَكْلِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إمْسَاكَ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ بِمَنْزِلَةِ التَّذْكِيَةِ إذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الصَّائِدُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَالتَّذْكِيَةُ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ» قَوْلُهُ: (فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَاصْطَادَ غَيْرَهُ حَلَّ لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: " مَا أَمْسَكَ عَلَيْك " وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبُوَيْطِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>