. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَعْلَى الثَّرِيدِ وَوَسَطِ الْقَصْعَةِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِي أَكِيلَهُ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَوَاكِهِ. وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْأُمِّ: فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الطَّعَامِ أَثِمَ بِالْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ إذَا كَانَ عَالِمًا، وَاسْتُدِلَّ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا لَا يَأْكُلُ مِنْ وَسَطِ الرَّغِيفِ بَلْ مِنْ اسْتِدَارَتِهِ إلَّا إذَا قَلَّ الْخُبْزُ فَلْيَكْسِرْ الْخُبْزَ. وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِ الْبَرَكَةِ تَنْزِلُ فِي وَسَطِ الطَّعَامِ قَوْلُهُ: (تَطِيشُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ: أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَمْتَدُّ إلَى نَوَاحِي الصَّحْفَةِ وَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحْفَةُ دُونَ الْقَصْعَةِ: وَهِيَ مَا تَسَعُ مَا يُشْبِعُ خَمْسَةً، وَالْقَصْعَةُ تُشْبِعُ عَشْرَةً، كَذَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ. وَقِيلَ الصَّحْفَةُ كَالْقَصْعَةِ وَجَمْعُهَا صِحَافٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثُ سُنَنٍ مِنْ سُنَنِ الْأَكْلِ وَهِيَ: التَّسْمِيَةُ، وَالْأَكْلُ بِالْيَمِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا، وَالثَّالِثَةُ: الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيهِ لِأَنَّ أَكْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ يَدِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ قَدْ يَتَقَذَّرُهُ صَاحِبُهُ لَا سِيَّمَا فِي الْأَمْرَاقِ وَشِبْهِهَا، وَهَذَا فِي الثَّرِيدِ وَالْأَمْرَاقِ وَشِبْهِهِمَا، فَإِنْ كَانَ تَمْرًا وَأَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إبَاحَةَ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَعْمِيمُ النَّهْيِ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ مُخَصَّصٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا) سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ: «أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةً فَجَثَى عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيُّ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا عَنِيدًا» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكٌ لَمْ يَأْتِهِ قَبْلَهَا فَقَالَ: إنَّ رَبَّكَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا، قَالَ: فَنَظَرَ إلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ: بَلْ عَبْدًا نَبِيًّا، فَمَا أَكَلَ مُتَّكِئًا» اهـ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «مَا رُئِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «مَا أَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئًا إلَّا مَرَّةً ثُمَّ نَزَعَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ» وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَرَّةَ الَّتِي فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ فِي نَاسِخِهِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ جِبْرِيلَ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ» .
وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَهَاهُ جِبْرِيلُ عَنْ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا لَمْ يَأْكُلْ مُتَّكِئًا بَعْدَ ذَلِكَ» وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ، فَقِيلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute