للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦٧١ - (وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا طَعِمَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ وَقَالَ: إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ وَقَالَ: إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ

ــ

[نيل الأوطار]

صِفَةٍ كَانَ، وَقِيلَ: أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْضِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: يَحْسِبُ الْعَامَّةُ أَنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ الْآكِلُ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى الْوِطَاءِ عِنْدَ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي أَذُمُّ فِعْلَ مَنْ يَسْتَكْثِرْ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِنِّي لَا آكُلُ إلَّا الْبُلْغَةَ مِنْ الزَّادِ فَلِذَلِكَ أَقْعُدُ مُسْتَوْفِزًا» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ تَمْرًا وَهُوَ مُقْعٍ» وَالْمُرَادُ الْجُلُوسُ عَلَى وَرِكَيْهِ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ» قَالَ مَالِكٌ: هُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاتِّكَاءِ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا إشَارَةٌ مِنْ مَالِكٍ إلَى كَرَاهَةِ مَا يُعَدُّ الْآكِلُ فِيهِ مُتَّكِئًا وَلَا يَخْتَصُّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا. وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِ الِاتِّكَاءِ بِأَنَّهُ الْمَيْلُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لَإِنْكَارِ الْخَطَّابِيِّ ذَلِكَ. وَحَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَنْ فَسَّرَ الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَذْهَبِ الطِّبِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْحَدِرُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ سَهْلَا وَلَا يُسِيغُهُ لِي هَنِيئًا. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا، فَزَعَمَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ. وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمُتَعَظِّمِينَ وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ بِالْمَرْءِ مَانِعٌ لَا يَتَمَكَّنُ مَعَهُ الْآكِلُ إلَّا مُتَّكِئًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَرَاهَةٌ

، ثُمَّ سَاقَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ أَكَلُوا كَذَلِكَ. وَأَشَارَ إلَى حَمْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى الضَّرُورَةِ، وَفِي الْحَمْلِ نَظَرٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ جَوَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُورِ قَدَمَيْهِ أَوْ يَنْصِبَ الرِّجْلَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى. وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مُضْطَجِعًا أَكْلَ الْبَقْلِ. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ، وَأَقْوَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْكُلُوا تُكَأَةً مَخَافَةَ أَنْ تَعْظُمَ بُطُونُهُمْ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ بَقِيَّةُ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَثِيرِ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>