للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. وَالْبُسْرُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَمْرِ النَّخْلِ مَعْرُوفٌ قَوْلُهُ: (مِنْ فَضِيخِ) بِالْفَاءِ ثُمَّ مُعْجَمَتَيْنِ وَزْنُ عَظِيمٍ اسْمٌ لِلْبُسْرِ إذَا شَدَخَ وَنَبَذَ. وَأَمَّا الزَّهْوُ فَبِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا وَاوٌ، هُوَ الْبُسْرُ الَّذِي يَحْمَرُّ أَوْ يَصْفَرُّ قَبْلَ أَنْ يَتَرَطَّبَ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْفَضِيخُ عَلَى خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْبُسْرِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمْرِ وَحْدَهَ قَوْلُهُ: (فَأَهْرِقْهَا) الْهَاءُ بَدَلٌ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالْأَصْلُ أَرِقْهَا، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَعًا كَمَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ نَادِرٌ قَوْلُهُ: «وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْأَبْوَابِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ لِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُمْ حُكْمَ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ خَبَرُ صَحَابِيٍّ شَهِدَ التَّنْزِيلَ وَأَخْبَرَ عَنْ سَبَبٍ، وَقَدْ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إنْكَارُهُ، وَأَرَادَ عُمَرُ بِنُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ نُزُولَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةُ، فَأَرَادَ عُمَرُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْمُتَّخَذَ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى.

وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ، وَفِي لَفْظٍ مِنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعَصِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ: «الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنْ الْحُبُوبِ مَعْرُوفَةٌ " قَوْلُهُ: (وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ) أَيْ غَطَّاهُ أَوْ خَالَطَهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مَجَازٌ، وَالْعَقْلُ: هُوَ آلَةُ التَّمْيِيزِ فَلِذَلِكَ حَرَّمَ مَا غَطَّاهُ أَوْ غَيَّرَهُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزُولُ الْإِدْرَاكُ الَّذِي طَلَبَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ لِيَقُومُوا بِحُقُوقِهِ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هَذَا تَعْرِيفٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَهُوَ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَاصَّةً

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عُمَرَ لَيْسَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ اللُّغَةِ، بَلْ هُوَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْخَمْرُ الَّذِي وَقَعَ تَحْرِيمُهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ: هُوَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتِلَافَا فِي ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْخَمْرَ فِي اللُّغَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ فَالِاعْتِبَارُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا، وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةُ وَالْعِنَبَةُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَدْ جَعَلَ الطَّحَاوِيَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فِي الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: إنَّهُ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى إرَادَةِ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى إرَادَةِ اسْتِيعَابِ ذِكْرِ مَا عُهِدَ حِينَئِذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>