. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
لَإِنْكَارِهِ مَعْنًى، وَهَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنِ إنْكَارِهِمْ هَذَا وَإِنْكَارِهِمْ مَا يُخْبَرُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْأُمُورِ قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَبَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ أَنَّ قَوْلَهُ " الْعَيْنُ حَقٌّ " يُرِيدُ بِهِ الْقَدَرَ: أَيْ الْعَيْنُ الَّتِي تَجْرِي مِنْهَا الْأَحْكَامُ، فَإِنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ حَقِيقَتُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُصِيبُ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَادَةِ عِنْدَ نَظَرِ النَّاظِرِ إنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللَّهِ السَّابِقِ لَا شَيْءَ يُحْدِثُهُ النَّاظِرُ فِي الْمَنْظُورِ
وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْقَدَرِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ، وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْدُورِ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ إثْبَاتُ الْعَيْنِ الَّتِي تُصِيبُ، إمَّا بِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ ذَلِكَ وَأَوْدَعَهُ إيَّاهَا. وَإِمَّا بِإِجْرَاءِ الْعَادَةِ بِحُدُوثِ الضَّرَرِ عِنْدَ تَحْدِيدِ النَّظَرِ، وَإِنَّمَا جَرَى الْحَدِيثُ مَجْرَى الْمُبَالَغَةِ فِي إثْبَاتِ الْعَيْنِ لَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدَرَ، إذْ الْقَدَرُ عِبَارَةٌ عَنْ سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ وَهُوَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ.
وَحَاصِلُهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَكَانَ الْعَيْنَ، لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ فَكَيْفَ غَيْرُهَا؟ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بِالْأَنْفُسِ» قَالَ الرَّاوِي: يَعْنِي بِالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (الْعَيْنُ حَقٌّ) أَيْ شَيْءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحَقَّقَ كَوْنُهُ
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا) أَيْ إذَا طُلِبْتُمْ لِلِاغْتِسَالِ فَاغْسِلُوا أَطْرَافَكُمْ عِنْد طَلَبِ الْمَعْيُونِ ذَلِكَ مِنْ الْعَائِنِ، وَهَذَا كَانَ أَمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَمْتَنِعُوا مِنْهُ إذَا أُرِيدَ مِنْهُمْ، وَأَدْنَى مَا فِي ذَلِكَ رَافِعُ الْوَهْمِ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ. وَحَكَى الْمَازِرِيُّ فِيهِ خِلَافًا وَصَحَّحَ الْوُجُوبَ وَقَالَ: مَتَى خَشِيَ الْهَلَاكَ وَكَانَ اغْتِسَالُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالشِّفَاءِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ وَهَذَا أَوْلَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ صِفَةَ الِاغْتِسَالِ
قَوْلِهِ: (بِشِعْبِ الْخِرَارِ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هُوَ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْجُحْفَةِ قَوْلُهُ: (فَلُبِطَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، لُبِطَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَلْبُوطٌ: أَيْ صُرِعَ وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَدَاخِلَةُ إزَارِهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْفَرْجَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ طَرَفَ الْإِزَارِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ
وَقَدْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْهَدْيِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صِفَةَ الْغُسْلِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ وَرَاءَهُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ " عَلَى الْأَرْضِ ". قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَلَا يُرَدُّ لِكَوْنِهِ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنْ تَوَقَّفَ فِيهِ مُتَشَرِّعٌ قُلْنَا لَهُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ عَضَّدَتْهُ التَّجْرِبَةُ وَصَدَّقَتْهُ الْمُعَايَنَةُ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْ أَنْكَرَهَا وَلَا مَنْ سَخِرَ مِنْهَا وَلَا مَنْ شَكَّ فِيهَا أَوْ فَعَلَهَا مُجَرِّبًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ، وَإِذَا كَانَ فِي الطَّبِيعَةِ خَوَاصُّ لَا يَعْرِفُ الْأَطِبَّاءُ عِلَلَهَا، بَلْ هِيَ عِنْدَهُمْ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ بِالْخَاصَّةِ فَمَا الَّذِي يُنْكِرُ جَهَلَتُهُمْ مِنْ الْخَوَاصِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute