للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْوَابُ الْأَيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا

بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَلَامِ إلَى النِّيَّةِ

٣٧٩٨ - (عَنْ سُوَيْد بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ

ــ

[نيل الأوطار]

الشَّرْعِيَّةِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُعَالَجَةَ بِالِاغْتِسَالِ مُنَاسِبَةٌ لَا تَأْبَاهَا الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ، فَهَذَا تِرْيَاقُ سُمِّ الْحَيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْ لَحْمِهَا، وَهَذَا عِلَاجُ النَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ تُوضَعُ الْيَدُ عَلَى يَدِ الْغَضْبَانِ فَيَسْكُنُ فَكَأَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْعَيْنِ شُعْلَةُ نَارٍ وَقَعَتْ عَلَى جَسَدِ الْمَعْيُونِ، فَفِي الِاغْتِسَالِ إطْفَاءٌ لِتِلْكَ الشُّعْلَةِ

ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْخَبِيثَةُ تَظْهَرُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّقِيقَةِ مِنْ الْجَسَدِ لِشِدَّةِ النُّفُوذِ فِيهَا وَلَا شَيْءَ أَرَقُّ مِنْ الْعَيْنِ فَكَانَ فِي غُسْلِهَا إبْطَالٌ لِعَمَلِهَا وَلَا سِيَّمَا لِلْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ

وَفِيهِ أَيْضًا وُصُولُ أَثَرِ الْغُسْلِ إلَى الْقَلْبِ مِنْ أَرَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَسْرَعِهَا نَفَاذًا فَتَنْطَفِئُ تِلْكَ النَّارُ الَّتِي أَثَارَتْهَا الْعَيْنُ بِهَذَا الْمَاءِ، وَهَذَا الْغُسْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ يَنْفَعُ بَعْدِ اسْتِحْكَامِ النَّظْرَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ فَقَدْ أَرْشَدَ الشَّارِعُ إلَى مَا يَدْفَعُهُ بِقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْمَذْكُورَةِ " أَلَا بَرَّكْتَ عَلَيْهِ " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ " فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ " وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ " مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ "

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَاصِ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ أَتْلَفَ الْعَائِنُ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَتَلَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ عَادَةً وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالسَّاحِرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ تَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيَّةُ لِلْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ بَلْ مَنَعُوهُ وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُنْضَبِطٍ عَامٍّ دُونَ مَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِمَّا لَا انْضِبَاطَ لَهُ، كَيْفَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِعْلٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا غَايَتُهُ حَسَدٌ وَتَمَنٍّ لِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يَنْشَأُ عَنْ الْإِصَابَةِ حُصُولُ مَكْرُوٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَكْرُوهُ فِي زَوَالِ الْحَيَاةِ فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ الْعَيْنِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْعَائِنِ إذَا عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَأَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَقُومُ بِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي أَمَرَ عُمَرُ بِمَنْعِهِ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَأَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الثُّومِ الَّذِي مَنَعَ الشَّارِعُ آكِلَهُ مِنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>