بَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكْفِيرُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ
٣٨٣٦ - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا. فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» وَفِي لَفْظٍ: «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَفِي لَفْظٍ: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكِ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ) .
ــ
[نيل الأوطار]
طَرِيقِ الزَّبِيدِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ يُونُسَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ " لَغْوُ الْيَمِينِ مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ وَالْهَزْلِ أَوْ الْمُرَاجَعَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ " وَهَذَا مَوْقُوفٌ
وَرِوَايَةُ يُونُسُ تُقَارِبُ الزَّبِيدِيَّ، وَلَفْظُ مَعْمَرٍ " إنَّهُ الْقَوْمُ يَتَدَارَءُونَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ " لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَكَلَّا وَاَللَّهِ وَلَا يَقْصِدُ الْحَلِفَ " وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ وَأَخْرَجَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ " هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ لَا يُرِيدُ بِهِ إلَّا الصِّدْقَ فَيَكُونَ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ " وَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الثَّانِي لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمُبْهَمِ شَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَكْثَرُ عَدَدًا
وَالْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَدْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي يَمِينِ اللَّغْوِ. وَذَلِكَ يَعُمُّ الْإِثْمَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَا يَجِبُ أَيُّهُمَا. وَالْمُتَوَجَّهُ الرُّجُوعُ فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَى اللَّغْوِ إلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَهْلُ عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَفُ النَّاسِ بِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَدْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ وَمِنْ الْمُشَاهِدِينَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَاضِرِينَ فِي أَيَّامِ النُّزُولِ، فَإِذَا صَحَّ عَنْ أَحَدِهِمْ تَفْسِيرٌ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يَرْجَحُ عَلَيْهِ أَوْ يُسَاوِيهِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَا نَقَلَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ إلَيْهِ شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا، وَالشَّرْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَكَانَ الْحَقُّ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ هُوَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ تَعَرَّضَ لِذِكْرِ بَعْضِ الْكَبَائِرِ، وَالْكَلَامُ فِي شَأْنِهَا طَوِيلُ الذُّيُولِ لَا يَتَّسِعُ لِبَسْطِهِ إلَّا مُؤَلَّفٌ حَافِلٌ وَقَدْ أَلَّفَ ابْنُ حَجَرٍ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدًا ضَخْمًا سَمَّاهُ (الزَّوَاجِرَ فِي الْكَبَائِرِ) فَمَنْ رَامَ الِاسْتِقْصَاءَ رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَمَّا حَصْرُهَا فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الِاسْتِقْرَاءِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ. فَمَنْ جَعَلَ عَدَدَهَا أَوْسَعَ فَلِكَثْرَةِ مَا اسْتَقْرَأَهُ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute