. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ إلَّا مَا لَا يَعْبَأُ بِهِ» قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَرُوَاتُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى عَمْرٍو، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد " وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ " وَأَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رِجَالُ إسْنَادِهِ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْعَبْسِيَّ وَلَكِنَّهُ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ: صَدُوقٌ، وَأَثَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ: (فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَادِي إذَا كَانَ فِي الْحِنْثِ مَصْلَحَةٌ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ فَيَمِينُهُ طَاعَةٌ وَالتَّمَادِي وَاجِبٌ وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةٌ وَعَكْسُهُ بِالْعَكْسِ
وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْلٍ فَيَمِينُهُ طَاعَةٌ وَالتَّمَادِي مُسْتَحَبٌّ وَالْحِنْثُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ فَبِعَكْسِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ، فَإِنْ كَانَ يَتَجَاذَبُهُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا فَفِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَوَّبَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّمَادِيَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَالَ: " فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " قَوْلُهُ: (فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكِ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحَّحَهَا الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهَا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِلَفْظٍ «فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحِنْثِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ قَبْلَهَا بِلَفْظِ «فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ» لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبٍ إنَّمَا هِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَوْ كَانَتْ تُفِيدُ ذَلِكَ لَكَانَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِلَفْظِ «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكِ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» تُخَالِفُهَا، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رَأْيُ رَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُ أَهْلِ الرَّأْيِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُجْزِئُ قَبْلَ الْحِنْثِ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَثْنَى الصِّيَامَ فَقَالَ: لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ. وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَاحْتَجَّ لَهُ الطَّحَاوِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] فَإِنَّ الْمُرَادَ إذَا حَلَفْتُمْ فَحَنِثْتُمْ. وَرَدَّهُ مُخَالِفُوهُ فَقَالُوا: بَلْ التَّقْدِيرُ فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ
قَالَ الْحَافِظُ: وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: التَّقْدِيرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ أَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ. وَرَدَّهُ مَنْ أَجَازَهَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَمْ تَسْقُطْ عَمَّنْ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَرْضٌ وَإِخْرَاجَهَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ فَلَا يَقُومُ التَّطَوُّعُ مَقَامَ الْمَفْرُوضِ
وَانْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute