للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

أَجَازَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ إرَادَةُ الْحِنْثِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ الْحِنْثِ، وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ تَأْخِيرَهَا بَعْدَ الْحِنْثِ

قَالَ عِيَاضٌ: وَمَنَعَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ حِنْثِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَرَدَّهُ الْجُمْهُورُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاحْتَجَّ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ

وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ الْحَالِفَ بِأَمْرَيْنِ، فَإِذَا أَتَى بِهِمَا جَمِيعًا فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَإِذَا دَلَّ الْخَبَرُ عَلَى الْمَنْعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا طَرِيقُ النَّظَرِ فَاحْتَجَّ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ مَا كَانَ يُحِلُّهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ كَلَامٌ فَلَأَنْ تُحِلَّهُ الْكَفَّارَةُ وَهِيَ فِعْلٌ مَالِيٌّ أَوْ بَدَنِيٌّ أَوْلَى، وَيُرَجَّحُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا بِالْكَثْرَةِ. وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ عِدَّةَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَتَبِعَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ. وَقَدْ عَرَفْتُ مِمَّا سَلَفَ أَنَّ الْمُتَوَجَّهَ الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ثُمَّ، وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ الْمَحْكِيُّ سَابِقًا عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحِنْثِ لَكَانَ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ وَاجِبٌ لِمَا سَلَفَ

قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِلْكَفَّارَةِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: أَحَدُهَا. قَبْلَ الْحَلِفِ فَلَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا. ثَانِيهَا: بَعْدَ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ فَتُجْزِئُ اتِّفَاقًا. ثَالِثُهَا: بَعْدَ الْحَلِفِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ فَفِيهَا الْخِلَافُ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ إتْيَانِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورِ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَإِتْيَانَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ الْكَفَّارَةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ: إنَّهُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا لَا يَعْبَأُ بِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ» وَيَحْيَى ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يُوهِمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِلَفْظِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ» هَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ «فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَمَدَارُهُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ عَنْ عَدِيٍّ، وَاَلَّذِي زَادَ ذَلِكَ حَافِظٌ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْأَوْسَطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ مَا بَيْنَ قُوتِ الشِّدَّةِ وَالسَّعَةِ قَوْلُهُ: (إنَّهُمَا قَرَءَا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) قِرَاءَةُ الْآحَادِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ صَالِحَةٌ لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَخَالَفَ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>