للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إثْمِ مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى اسْتَحَقَّ بِهِ فِي الظَّاهِرِ شَيْئًا هُوَ فِي الْبَاطِنِ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ احْتَالَ لِأَمْرٍ بَاطِلٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَلِ حَتَّى يَصِيرَ حَقًّا فِي الظَّاهِرِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِالْحُكْمِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا أَخْطَأَ لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ بَلْ يُؤْجَرُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.

وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْضِي بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَصْرَحِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ أَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَمْرٍ فَيَحْكُمُ بِهِ، وَيَكُونُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثُبُوتِ عِصْمَتِهِ

وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي حُكْمِهِ لَلَزِمَ أَمْرُ الْمُكَلَّفِينَ بِالْخَطَأِ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] الْآيَةَ، وَبِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ فَالرَّسُولُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ إذَا اسْتَلْزَمَ الْخَطَأَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِينَ فَإِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِرَدِّ الْمُلَازَمَةِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا فُرِضَ وُجُودُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ مَا جَاءَ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ الِاتِّبَاعُ إلَى الرَّسُولِ لَا إلَى نَفْسِ الْإِجْمَاعِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ ادَّعَى مَالًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِبَرَاءَةِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِالْحُكْمِ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ قَدْ يُحْكَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّيْءِ فِي الظَّاهِرِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا

وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَتَعَلَّقُ بِالْحُكُومَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَإِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَمْتَنِعُ وُقُوعُ الْخَطَإِ فِيهِ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِيهِ كَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ نَاشِئًا عَنْ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَقًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ كَمَا كَانَ، وَالْمَقَامُ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ وَمَحِلُّهُ الْأُصُولُ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهَا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِتَمْلِيكِ مَالٍ أَوْ إزَالَةِ مِلْكٍ أَوْ إثْبَاتِ نِكَاحٍ أَوْ فُرْقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ كَمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ نَفَذَ عَلَى مَا حُكِمَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنْ الشَّهَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُوجِبًا لِلتَّمْلِيكِ وَلَا الْإِزَالَةِ وَلَا النِّكَاحِ وَلَا الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَمَعَهُمْ أَبُو يُوسُفَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ فِي مَالٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنْ الظَّاهِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِحِلِّهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَحَمَلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>