للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي تَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ

ــ

[نيل الأوطار]

حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَهُوَ الْمَالُ. وَاحْتَجُّوا لِمَا عَدَاهُ بِقِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ صَدَقَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ

قَالُوا: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ أَنَّهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُحْدِثُ فِي ذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ إنَّمَا وَقَعَتْ عُقُوبَةً لِلْعِلْمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مُجِيبًا عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ لِمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِسَمَاعِ كَلَامِ الْخَصْمِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ هُنَاكَ وَلَا يَمِينَ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِأَنَّ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ: " فَمَنْ قَضَيْت لَهُ " شَرْطِيَّةٌ، وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ فَيَكُونُ مِنْ فَرْضِ مَا لَمْ يَقَعْ وَهُوَ جَائِزٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ لِلتَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْخُصُومَةِ، وَهُوَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ عَدَمَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ لِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ، وَبِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِرُّ عَلَى الْخَطَإِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا قَضَى بِهِ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ الْخَطَأُ وَإِلَّا فَمَتَى فُرِضَ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَيُرَدَّ الْحَقُّ لِمُسْتَحِقِّهِ

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيُؤَوَّلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ اسْتِمْرَارَ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَإِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ مِنْ التَّحْرِيفِ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ مُنْصِفٌ وَكَذَا الثَّانِي. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْخَطَأَ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ عَنْ اجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يُوحَ إلَيْهِ فَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنْهُ عَنْ شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ يَمِينٍ فَاجِرَةٍ فَلَا يُسَمَّى خَطَأً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ وَبِالْأَيْمَانِ وَإِلَّا لَكَانَ الْكَثِيرُ مِنْ الْأَحْكَامِ يُسَمَّى خَطَأً وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي حَدِيثِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَعْتَقِدُ خِلَافَ ذَلِكَ

وَلِمَا فِي حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ حَيْثُ قَالَ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً لَمْ يَتْرُكْ اسْتِدْرَاكَهُ وَالْعَمَلَ بِمَا عَرَفَهُ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «إنِّي لَمْ أُومَرْ بِالتَّنْقِيبِ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» فَالْحُجَّةُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ شَامِلَةٌ لِلْأَمْوَالِ وَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَقَدْ حَكَى الشَّافِعِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحَلِّلُ الْحَرَامَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُحَلِّلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ وَلِقَاعِدَةٍ أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ وَوَافَقَهُمْ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَفِي الْمَقَامِ مُقَاوَلَاتٌ وَمُطَاوَلَاتٌ، وَمَعَ وُضُوحِ الصَّوَابِ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِطْنَابِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْحَدِيثِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>