. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
أَيْضًا عَنْ عُمَرَ " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ظَنِينٍ وَلَا خَصْمٍ " أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفًا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. قَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ: وَاعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ خَبَرًا صَحِيحًا وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ» قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ لَهُ طُرُقٌ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُنَادِيًا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ مُرْسَلًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَالْحِنَّةِ» يَعْنِي الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ مِثْلُهُ، وَفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ.
وَحَدِيثُ الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رِجَالُ إسْنَادِهِ احْتَجَّ بِهِمْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ اهـ. وَسِيَاقُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَنَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، يَعْنِي الْكَلَاعِيَّ عَنْ أَبِي الْهَادِ، يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ اللَّيِّثَيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، يَعْنِي الْقُرَشِيَّ الْعَامِرِيَّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَوْلُهُ: (لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) صَرَّحَ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الْخِيَانَةَ تَكُونُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ كَمَا تَكُونُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ دُونِ اخْتِصَاصٍ
قَوْلُهُ: (وَلَا ذِي غِمْرٍ) قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: بِكَسْرِ الْغَيْنَ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: الْغِمْرُ: الْحِنَةُ وَالشَّحْنَاءُ، وَالْحِنَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ لُغَةٌ فِي إحْنَةٍ: وَهِيَ الْحِقْدُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ فِي صَدْرِهِ عَلَيَّ إحْنَةٌ وَلَا يُقَالُ حِنَةٌ، وَالْمُوَاحَنَةُ: الْمُعَادَاةُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لُغَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَجَمْعُهَا حِنَاتٌ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي الْإِحْنَةِ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَالشَّحْنَاءُ بِالْمَدِّ: الْعَدَاوَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا تُوَرِّثُ التُّهْمَةَ وَتُخَالِفُ الصَّدَاقَةَ، فَإِنَّ فِي شَهَادَةِ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ بِالزُّورِ نَفْعَ غَيْرِهِ بِمَضَرَّةِ نَفْسِهِ، وَبَيْعَ آخِرَتِهِ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ يَقْصِدُ بِهَا نَفْعَ نَفْسِهِ بِالتَّشَفِّي مِنْ عَدُوِّهِ فَافْتَرَقَا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَبِلْتُمْ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ مَعَ الْعَدَاوَةِ؟ قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: قُلْنَا الْعَدَاوَةُ هَهُنَا دِينِيَّةٌ، وَالدِّينُ لَا يَقْتَضِي شَهَادَةَ الزُّورِ، بِخِلَافِ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَمْنَعُ الْعَدَاوَةُ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ فَلَا تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ كَالصَّدَاقَةِ اهـ
وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ، وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ أَيْضًا. وَالْحَقُّ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَدِلَّةُ لَا تُعَارَضُ بِمَحْضِ الْآرَاءِ، وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ بِالْقَبُولِ دَلِيلٌ مَقْبُولٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَسْأَلَةٌ: الْعَدَاوَةُ لِأَجْلِ الدِّينَ لَا تَمْنَعُ كَالْعَدْلِيِّ عَلَى الْقَدْرِيِّ وَالْعَكْسُ، وَلِأَجْلِ الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute